قمة "العشرين" تتكشف عن حرب عملات... والأزمة العراقية تنتهي بحزمة توافقات! الحصيلة غير الحاسمة التي انتهت إليها قمة مجموعة "العشرين"، ونهاية أزمة تشكيل الحكومة العراقية، وتراجع فرص انتعاش عملية السلام في الشرق الأوسط، موضوعات استقطبت اهتمام الصحف الفرنسية. حصيلة قمة "العشرين" الكاتب بيير روسلين ذهب في افتتاحية لوفيغارو (أول من أمس الجمعة) إلى أن الظاهرة الأبرز في قمة مجموعة "العشرين" بسيئول هي ظهور أميركا في موقف عزلة عالمية بشكل ملفت، وذلك بفعل استياء واسع لدى شركائها الدوليين من بعض خطوات سياستها الاقتصادية الأخيرة، وخاصة بعد لجوء بنك الاحتياطي الفيدرالي مؤخراً إلى ضخ 600 مليار دولار في النظام النقدي بهدف معلن هو تنشيط الاقتصاد، ولكن هذه الخطوة فسرت على نطاق واسع على أن الهدف الحقيقي منها هو تخفيض قيمة الدولار، ضمن ما بات يسميه البعض بـ"حرب العملات". وفي هذه الحرب تبدو الولايات المتحدة في جهة وبقية العالم في جهة أخرى، وهذا مؤشر في حد ذاته على تآكل سطوة واشنطن الاقتصادية الدولية. وفيما يتعلق بدور ساركوزي الذي تأخر في الحضور إلى قمة سيئول حتى بدأت أعمالها بسبب ارتباطه باحتفالات تخليد ذكرى هبة 11 نوفمبر 1940 في فرنسا، يمكن اعتباره دور الحكم بين فرقاء الاقتصاد الدولي الكبار، ليس فقط بحكم تسلمه الرئاسة الدورية للمجموعة وإنما أيضاً بالنظر إلى الإعداد الجيد الذي هيأه لهذه الرئاسة من خلال تحسين علاقته مع كافة الشركاء مثل أميركا والصين وألمانيا وغيرها. وفي ذات الصحيفة كتب أمس "جايتن دي كابل" افتتاحية حول الحصيلة التي تكشفت عنها قمة "العشرين"، مشيراً إلى أن التطلعات التي كانت معلقة على هذه القمة لم تتحقق بالشكل المطلوب، وأقلها تكثيف الحوار بين أكبر اقتصادات العالم وتحقيق الحد الضروري من التنسيق فيما بينها في مواجهة وضع اقتصادي دولي لم يبرح بعد دائرة الخطر وما زالت تداعيات الأزمة المالية تظلله بأشكال وصور مختلفة، وهي وضعية لا يكفي التفاؤل الساذج وحده للرهان على إمكان تجاوزها مع مرور الزمن وحده. ومثلما أكد مدير صندوق النقد الدولي "دومينيك ستروس كان" فإن بزوغ سياسة اقتصادية معولمة يعد حقيقة ستفرض نفسها في النهاية على الجميع. وينبغي هنا عدم الخلود إلى الأوهام، فتآكل قوة أميركا الاقتصادية لن يصب في النهاية في مصلحة الصين، أو الاتحاد الأوروبي. وبالمثل فإن أي تباطؤ قد يضرب الصين سيكون له أثر مدمر على بقية العالم. وبعبارة أخرى فإن فوضى السياسات الاقتصادية ليست في صالح أحد. ومن جانبها ركزت "ساندرين موريسيوس" في افتتاحية صحيفة لومانيتيه أمس على الجوانب المتعلقة بالرئاسة الفرنسية لمجموعة "العشرين"، مؤكدة أن ساركوزي الذي واجه خلال الفترة الأخيرة أزمة اجتماعية طاحنة بسبب تعديل قانون التقاعد، ما زال وفيّاً لتوجهه الإيديولوجي الليبرالي المعروف، مخلصاً لرجال المال، مصمماً على العمل "يداً بيد مع صندوق النقد الدولي" كما قال بالأمس القريب. ولاشك أن تعديل قانون التقاعد ما زال يقف شاهداً على تصميمه على النيل من مكاسب "النموذج الاجتماعي الفرنسي". ولكل هذه الأسباب تجري الآن خصخصة فرنسا على قدم وساق. وبالنتيجة فإن ساركوزي لم يعد يشتغل على مشروع "القطيعة" الذي طالما رفع شعاره، وإنما أصبح يطبق سياسة الهروب إلى الأمام بحذافيرها. وأخيراً اعتبرت مجلة لونوفل أوبسرفاتور في مقال بعنوان "رئاسة قمة العشرين: رهان ساركوزي المجازف" أن سيد الأليزيه يسعى من خلال هذه الرئاسة إلى إعادة إنعاش موقفه السياسي المتراجع، وذلك استعداداً لرئاسيات 2012، ولكن على رغم أن أداءه في السياسة الخارجية ظل دائماً إيجابيّاً وخدم أجندته الداخلية، إلا أن الرهان هذه المرة مختلف، ولا شيء يضمن أن تكون الظروف مساعدة بالنظر إلى تعقيدات الوضع الاقتصادي الدولي، وافتراق مقاربات معظم الفاعلين الكبار في مجموعة "العشرين". انفراج الأزمة العراقية اعتبرت صحيفة لوموند أن التوافق الذي توصلت إليه الكتل السياسية العراقية من شأنه أن يمثل انفراجاً حقيقيّاً لأزمة تشكيل الحكومة التي استمرت لثمانية أشهر، أي منذ الانتخابات التشريعية التي لم تتكشف عن أي فوز صريح بهامش كبير لأي من الكتل، وإن كانت قائمة "العراقية" هي من جاء في الصدارة. ومؤدى هذا التوافق تقسيم المناصب السيادية الكبرى الثلاثة بين الشرائح الثلاث الكبرى ضمن مكونات الشعب العراقي وهي السُّنة والشيعة والأكراد. ومع أن الاتفاق أعلن عنه يوم الأربعاء إلا أن أول مؤشر حقيقي على مدى جديته لم يتم تسجيله قبل الخميس الماضي حين تم بالفعل انتخاب أسامة النجيفي السياسي السني من قائمة "العراقية" على رأس البرلمان. وأشارت لوموند إلى أن هذه القائمة العلمانية، متعددة المذاهب، التي يدعمها السنة بشكل خاص، تمكنت في النهاية من الحصول على رئاسة البرلمان ووزارة الخارجية، مع ضمان يد لها وقوة تأثير حقيقية فيما يتعلق بقضايا الدفاع والاقتصاد والدبلوماسية. وسجلت الصحيفة ضمن ردود الفعل وصف أوباما لما جرى بأنه "خطوة مهمة" في تاريخ العراق، حيث أكد أيضاً في المؤتمر الصحفي في ختام قمة مجموعة "العشرين" في سيئول أن الحكومة العراقية المقبلة "ستمثل الجميع، وستكون منفتحة على الكل، ومعبرة عن إرادة الشعب العراقي". ومن جانبها اعتبرت صحيفة ليبراسيون ضمن تغطيتها للحدث أن أزمة العراق السياسية وصلت بالفعل إلى نهايتها، وأن صفحة أشهر الانسداد السياسي الثمانية الماضية قد طويت الآن بشكل نهائي. ومع أن المالكي تمكن في النهاية من الاحتفاظ بمنصبه على رأس الحكومة ضمن التوافق الحالي، إلا أن زعيم اللائحة الفائزة في انتخابات 7 مارس تمكن هو أيضاً من الحصول على منصب سيادي جديد هو رئاسة "المجلس الوطني للسياسات العليا" الذي ستكون له صلاحيات تنفيذية مؤثرة. وبحسب البرزاني فإن هذا المجلس سيكون مخولاً اتخاذ "سياسات استراتيجية مهمة". وفي السياق ذاته تنقل ليبراسيون أيضاً تصريحات للنائب عن لائحة "العراقية" مصطفى الهيتي ذكر فيها أن "أوباما أكد لعلاوي أن المجلس المذكور سيكون جهاز اتخاذ قرار مؤثراً، وسيتم التصويت على القانون المنشئ له قبل تشكيل الحكومة". مصاعب عملية السلام اعتبرت لوموند أن حديث أوباما يوم الأربعاء الماضي في جاكرتا عن "ظهور مصاعب جمة" في طريق عملية السلام يمثل في الواقع نوعاً من الاعتراف بالفشل. وتربط الصحيفة هذا التطور مع إعلان نتنياهو يوم الاثنين الماضي عن مشروع بناء 1300 مسكن جديد في القطاع العربي من مدينة القدس، في تدبير وصفه كبير المفاوضين الفلسطينيين بأن الغرض الحقيقي من ورائه هو تدمير عملية السلام من الأساس، خاصة مع معرفة الجميع بالموقف الفلسطيني من استمرار أعمال الاستيطان في الأراضي العربية المحتلة باعتبار ذلك عائقاً حقيقيّاً لا يمكن القفز عليه بالاستمرار في أية تسوية، والمفارقة في هذا الشأن هي جهود نتنياهو الإعلامية لتصوير خطوته على أنها موضوع هامشي صغير، لا يغير في خريطة المدينة، ولا ينبغي إعطاؤه أكثر مما يستحق! وفي رد الفعل على سياسة استئناف الاستيطان التي يتبعها نتنياهو تكتفي لوموند بنقل رد الفعل الأميركي الفاتر عليها، ممثلاً في تصريح أوباما المحسوب بأن "هذا النوع من الأنشطة لا يخدم أبداً عندما يتعلق الأمر بمحادثات سلام". إعداد: حسن ولد المختار