يوم الثلاثاء الماضي أشارت لجنة حكومية مستقلة مكلفة بالتحقيق في مسببات البقعة النفطية في خليج المكسيك، إلى أن مشغلي منصة حفريات بئر ماكوندو التي تديرها شركة "بي. بي" البريطانية في مياه خليج المكسيك العميقة، لم يحسنوا مراقبة الضغط العالي الذي كان يرتفع من عمق يقارب الـ20 ألف قدم تحت سطح الأرض، وذلك في أكثر المراحل حرجاً من تشغيل منصة حفريات تلك البئر. وتوصلت اللجنة القومية المكلفة بالتحقيق في تسرب البقعة النفطية في مياه خليج المكسيك والحفريات النفطية البحرية، إلى تضافر مجموعة من الإخفاقات البشرية والميكانيكية والهندسية، وكذلك الإخفاق في التقيد بالنظم واللوائح المقيدة لعمليات الحفر البحري، في التسبب في كارثة البقعة النفطية في منطقة "ديب واتر هورايزون" البحرية التي استأجرتها شركة "بي. بي" البريطانية، مع العلم أنها من أسوأ البقع النفطية التي شهدها العالم. غير أن أحد أصعب العوامل المتسببة بالكارثة، ويتعين على المحققين الفيدراليين إجراء المزيد من التحقيقات فيها، قول أحد شهود العيان الذين استمعت اللجنة إلى إفاداتهم بانصراف أنظار المشغلين لعمليات الحفر الاستكشافي عن المراحل الأخيرة من العملية عند قرب اكتمالها، وتطلعهم إلى المغامرة الاستكشافية التالية بدلاً من متابعة مراقبة ما يجري قبل الانتقال إلى المرحلة التالية. هذا ما أكده ستيف لويس -مهندس بشركة سيلدوفيا للخدمات البحرية- في إطار استجابته لأسئلة سام سانكر -نائب المستشار القانوني للجنة القومية المكلفة- عن طبيعة الظاهرة التي عناها بقوله: "من الطبيعي أن يقلق مشغلو الآبار النفطية في المراحل الاستكشافية بشأن المرحلة التالية من العملية الاستكشافية، عندما تقارب المرحلة التي يعملون فيها نهايتها. وبسبب ذلك القلق، عادةً ما تنصرف الأنظار عن المرحلة النهائية من العملية الجارية". وكان ذلك هو ما حدث بالفعل في منطقة "ديب واتر هورايزون" نتيجة انصراف أنظار المشغلين لبئر "ماكوندو" مؤقتاً عن المرحلة النهائية من العملية الاستكشافية الجارية، وهي التي حدث فيها انفجار كارثي في عمق البئر، أدى إلى مصرع أحد عشر عاملاً من عمال منصة الحفريات، إضافة إلى الأضرار البيئية الكارثية والمادية والاقتصادية التي سببتها البقعة النفطية المتسربة من البئر. وحتى قبل اكتمال التحقيقات الجارية بشأن ما حدث في بئر "ماكوندو" ومياه خليج المكسيك في شهر أبريل المنصرم، يسعى المسؤولون عن تنظيم الحفريات النفطية البحرية إلى تحسين بروتوكولات ونظم السلامة المعمول بها في الحفريات النفطية البحرية، في الوقت ذاته تستمر التحقيقات لتحديد الطرف الذي يتعين عليه تحمّل مسؤولية ما حدث. ومتى ما تحدد الطرف المسؤول عن حدوث الكارثة، فإن من المتوقع له سداد غرامات مالية كبيرة تقدر بملايين الدولارات، إضافة إلى الاتهامات الجنائية التي ربما توجه إلى بعض المسؤولين عن حدوث الكارثة. صحيح أن التحقيقات لم تكتمل بعد، وعليه لم يحدد الطرف المسؤول عن تسرب البقعة النفطية وانفجار البئر قبلها. لكن المحققين الفيدراليين في هذه الأحداث يتفقون على وجهة نظر واحدة في الوقت الحالي: عدم وجود دليل على تغليب المسائل المالية على التقيد ببروتوكولات الأمن والسلامة من قبل المشغلين والمطورين لبئر "ماكوندو" النفطية. غير أن هناك ما يثبت إهمال وضعف رقابة شركة "بي. بي" لنهايات المرحلة الجارية من عملية الاستكشاف، وهي المرحلة التي شهدت انفجار البئر. فقد كانت هناك مؤشرات إنذار خطيرة لما حدث، غير أنها إما أهملت أو لم ينتبه لها الخبراء المشغلون لمنصة الحفريات، الذين لا شك يعلمون جيداً مدى خطورة الحفريات في المياه البحرية العميقة. ومما فاقم المشكلة، وجود عيوب فنية في الخرسانة المسلحة التي وفرتها شركة هاليبرتون، وكذلك الأخطاء الفنية المصاحبة لتصميم مهندسي شركة "بي. بي" للبئر ونظام تغطيتها. يضاف إلى هذين العاملين أن هذه الشركة لم تبدأ بتنفيذ خطتها المتعلقة بتغطية البئر إلا في المراحل النهائية من بدء الحفريات الاستكشافية. وقال "بيل رايلي"-الرئيس المشارك للجنة التحقيقات الفيدرالية المكلفة، وأحد المدراء السابقين لوكالة حماية البيئة في ظل إدارة بوش السابقة-: نحن على علم بما يبدو أنه كان استعجالاً لإكمال المرحلة الجارية حينها من العملية الاستكشافية في البئر. ولكننا نجهل ما دفع مشغلي منصة الحفريات بالضبط للاستمرار في العملية بدلاً من انتظار وصول المعدات والمواد، التي كان ممكناً لها أن تجعل عملية الحفر أكثر أمناً وسلامةً. فقبل الانفجار، كانت هناك نتائج اختبارات منذرة ومثيرة للقلق، إضافة إلى حدوث اهتزازات في منصة الحفريات نفسها، وهو ما أثار قلق الفريق الفني العامل. ومع ذلك واصل المشغلون تنفيذ خطة فصل المنصة عن بئر "ماكوندو". وقبل أن يتمكن الفريق العامل من إغلاق البئر، انقذف منها خليط من التراب والغاز والنفط عبر الأنبوب الذي يقدر ارتفاعه بميل كامل، واستقر بعض منه على قاعدة منصة الحفريات. فما الذي دفع الفريق العامل للإسراع بتنفيذ الخطة على هذا النحو؟ ولماذا لم يلفت أحدهم الانتباه إلى ما كان يجري قبل الانفجار بحوالي ثلاث ساعات على الأقل؟ هذان وغيرهما من الأسئلة هو ما وجهه "سين جريمسلي" نائب المستشار القانوني الرئيسي للجنة التحقيقات. وأضاف "جريمسلي" قائلاً: من الغريب أن أحداً من أعضاء الفريق العامل لم يرفع سماعة الهاتف ليخطر المسؤولين بما كان يحدث من أمور غريبة ومؤشرات منذرة داخل البئر قبل انفجارها. باتريك جونسون كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"