بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على انتخابات مارس الماضي، اتفق القادة العراقيون على تقاسم السلطة، حيث بقيت رئاسة الحكومة لـ"التحالف الوطني الشيعي" وتم التجديد للمالكي في منصب رئيس الوزراء، فيما احتفظ الطالباني برئاسة الجمهورية، واختير أسامة النجيفي لرئاسة البرلمان، وتم استحداث المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية الذي سيرأسه علاوي. وقد أدى طالباني والمالكي القسم الدستوري. لكن خلال انعقاد الجلسة البرلمانية نفسها انفجرت أزمة ثقة، حيث طالب نواب من كتلة "العراقية" بإدخال التصويت على ما جاء في وثيقة القوى السياسية إلى جدول أعمال الجلسة قبل البدء بعملية انتخاب رئيس الجمهورية، لاسيما الموقف من رفع قرارات اجتثاث "البعث" عن أربعة من قياديي القائمة، هم صالح المطلق (المرشح لوزارة الخارجية) وراسم العوادي وظافر العاني وجمال الكربولي، الأمر الذي رفضه بعض ممثلي التحالف الشيعي والتحالف الكردستاني، وفسر المالكي الوثيقة بأنها تنص على إعلانها في مجلس النواب وليس التصويت عليها، على أن يتم تنفيذها لاحقاً وفق السياقات القانونية. بيد أن علاوي رأى في ذلك نقضاً للاتفاق الذي وقعه مع المالكي والبارزاني قبل الدخول إلى قبة البرلمان، فانسحب من الجلسة ومعه معظم قياديي "العراقية". ويبقى السؤال: هل يستقر العراق؟ إذا تم تخطي العقبة التي واجهت تشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة التي تضم الأحزاب والحركات السياسية التي فازت في الانتخابات، فإن هناك عدة إشكاليات تنبغي مواجهتها والتغلب عليها حتى يستقر العراق فعلياً؛ أولها أن الاتفاق بين القادة العراقيين أفضى إلى حكومة ترضية لا حكومة شراكة فعلية، والدليل على ذلك هو أزمة الثقة التي انفجرت في البرلمان خلال جلسته الأولى. وثانيها أن المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية العليا الذي تم استحداثه والاتفاق على إصدار تشريع خاص لإقراره دستورياً وإقرار صلاحياته، هذا المجلس قراراته ملزمة فقط إذا حظيت بتأييد 80 في المئة من أعضائه، والذين هم بالإضافة إلى رئيس المجلس (علاوي) كل من رئيس الجمهورية ونائبيه ورئيس الوزراء ونائبيه ورئيس البرلمان ونائبيه، وعضو من كل قائمة من القوائم الأربع ليكون عدد الأعضاء في هذا المجلس 14 عضواً. وثالثها أن السلطة التشريعية لم تعد لها أهمية حيث تجاهلها الدستور وأصبح دورها ثانوياً في رسم المواقع والصلاحيات إذا ما قيست بأهمية التوافقات، وأصبح الشخص وفقاً لمعطيات الاتفاق يعد أهم من الكتلة. إن التشكيلة الائتلافية الجديدة التي تضم الطيف السياسي العراقي هي بالونة اختبار للمالكي وقوى الإسلام السياسي الشيعي التي حكمت العراق منذ 2003... فهل سيعيد المالكي مفهومه الخاص بالحكم عن طريق التحالف الوطني الشيعي ذي الطابع الطائفي، أم سيحاول الخروج بنظرية حكم جديدة تلائم الطابع الوطني للعراق بعد الانتخابات الأخيرة وفوز قائمة "العراقية" بالأغلبية البرلمانية. هل وصل المالكي إلى قناعة بأن العراق بلد تعددي ذو تاريخ مدني علماني حافظت المؤسسة الدينية فيه على عزل نفسها عن الدولة؟ إن التحالفات السياسية الجديدة في الحكومة لن تستمر إذا استمرت الهوية الطائفية أو العرقية على حساب الوطنية العراقية بوصفها تجميعاً لكل الهويات التي يجب أن تنصهر لحماية العراق الديمقراطي المدني والدستوري من الانهيار.