"هذا المساء أرغبُ في التحدث إليكم حول موضوع غير سار"، هكذا قال كارتر بصوت جاد وحزين لكاميرا التلفزيون في إحدى ليالي أبريل 1977. كانت سلسلة من الحظر النفطي وارتفاعات أسعار "أوبك" قد ضربت البلاد بشدة، فتسببت في ارتفاع أسعار الجازولين ثلاث مرات. وكان الأميركيون المعتمدون على السيارات قد انتظروا في بعض الأحيان ساعات في طوابير طويلة بمحطات الوقود لشراء الجازولين اللازم للذهاب إلى أماكن عملهم. وكان الرئيس، في حوار تاريخي لا ينسى، قبل ذلك بشهرين، قد دعا الأميركيين إلى ضبط جهاز الترموستات في منازلهم عند 18 درجة مئوية نهارا، و13 درجة مئوية ليلًا. غير أنه في تلك الليلة، صعد كارتر نبرته؛ وأعلن الرئيسُ، الذي حذر من "كارثة وطنية" وشيكة وعاتب الأميركيين على ممارساتهم التبذيرية الأنانية، أنه قد حان الأوان كي يقوم الأميركيون بكبح ولجم استهلاكهم للنفط، الذي قال عنه إنه تضاعف في عقد الخمسينيات ثم مرة أخرى في عقد الستينيات كي يضعوا حدا لاعتمادهم على الواردات النفطية الخارجية، وقال: "هذا الجهد الصعب هو المعادل الأخلاقي للحرب". وقد أنشأ "كارتر" وزارة الطاقة؛ ودعا إلى الحفاظ على الطاقة وزيادة إنتاج الفحم والطاقة الشمسية. كما قام بتركيب ألواح شمسية على البيت الأبيض؛ غير أن رؤيته دفعُ أميركا والعالم إلى عهد طاقة جديد يضاهي من حيث أهميته ودلالاته الانتقال من الخشب إلى الفحم الذي وفر الطاقة للثورة الصناعية - لم تتحقق أبداً. ذلك أن أسعار الجازولين انخفضت في عقد الثمانينيات، مما أزال الحافز لإنهاء الواردات النفطية؛ وعادت سياقة السيارات إلى مستويات ما قبل الأزمة. وقام ريجان، الذي خلف "كارتر"، بسحب التمويل للطاقات المتجددة؛ وأزيلت الألواح الشمسية التي كانت مركبة على سطح البيت الأبيض. وإذا كان الخبراء في أواخر عقد السبعينيات قد اعتقدوا أن أميركا ستستخرج 30 إلى 50 في المئة من طاقتها من الموارد المتجددة بحلول 2005، فإن ذلك لم يحدث؛ إذ لا تشكل مصادر الطاقة المتجددة اليوم سوى حوالي 4 في المئة من الطاقة التي يستهلكها الأميركيون. غير أنه بينما يتعاطى الأميركيون مع مشاكل الطاقة الحالية – هذه المرة مع تغير المناخ باعتباره الخطر المحدق – فإنها مناسبة جيدة من أجل وقوف وقفة تأمل واستشراف المستقبل. فعلى مدى الـ200 عام الماضية، شهد العالم نحو اثني عشر تحولًا كبيراً بخصوص كيفية حصوله على الطاقة أو استعمالها؛ والواقع أن نظرة على تلك التحولات تقدم بعض الإشارات بخصوص التطورات التي قد تشهدها الخمسون عاما المقبلة. وتأسيساً على ذلك يمكن القول إن مستقبلنا في مجال الطاقة سيكون مختلفاً جداً عما يتصوره معظم الناس. إن ثورات الطاقة عادة ما تكون بطيئة ومحافظة، وليس "انفجارات" تحدث ما بين عشية وضحاها؛ وثورة الطاقة المقبلة تَعد بأن تكون كذلك أيضا. وسيعتمد نجاحنا في تحقيقها بالسرعة الكافية لدرء تغير المناخ على الاستعمال الاستراتيجي للوقود الأحفوري الآن، مثلما سيعتمد على تكنولوجيات متطورة وجديدة في المستقبل. لقد كان النمو المضطرد للتكنولوجيا والسكان والثروة خلال الأعوام الـ150 الماضية مدعوماً من قبل الوقود الأحفوري، وقد كان من الممكن أن يحدث هذا الأمر مرة واحدة فقط في التاريخ ربما؛ ذلك أن الوقود الذي أُحرق في ظرف عقود استغرق فترة طويلة من حياة الأرض لكي يتجمع ويتراكم. وعلى سبيل المثال، فإن تكون نفط منطقة الحقف في جنوب عُمان يبلغ عمره زهاء 700 مليون سنة؛ وقد نتج عن التآم واختلاط العوالق التي استقرت وترسبت في قعر البحر قبل ظهور أولى الحيوانات البدائية العائمة والحافرة على كوكب الأرض. بالنسبة للجوانب الإيجابية، سنحصل نحن البشر على مزيد من الأشياء من وقودنا. فبالنظر إلى محركات وأفران ومولدات تتميز بارتفاع الكفاءة والفعالية، بتنا اليوم نحصل على أربعة أضعاف كمية الحرارة والكهرباء والدفع الميكانيكي من كل أوقية وقود نحرقها مقارنة مع أواخر القرن التاسع عشر. غير أن طلبنا بالمقابل عرف انفجاراً كبيراً جداً، وبتنا اليوم نحرق ضعف ما كنا نحرقه من الوقود في أواخر القرن التاسع عشر بـ20 مرة: ونتيجة لذلك، ارتفع العمل الذي يقوم به الوقود الأحفوري من أجلنا بـ80 مرة في حوالي قرن من الزمن. والواقع أن استبدال تلك الطاقة أمر ممكن القيام به؛ غير أن اجتراح مقاربة واقعية سيتطلب الأخذ بعين الاعتبار بعض الحقائق التي عادة ما يتم إغفالها. الشعور بالهبوب المستمر للرياح عبر "السهول الكبرى" (وسط الولايات المتحدة، شرق جبال الروكي)، أو طهي الطعام تحت أشعة الشمس الدائمة لجنوب غرب الولايات المتحدة يعني تخيل أن مصادر الطاقة المتجددة هذه هي بدون حدود. والحال أنها ليست كذلك، مثلما يقول فاكلاف سميل، المتخصص في علوم الطاقة بجامعة مانيتوبا، الذي يشير إلى أن استغلال كل الطاقة الممكنة من تيارات المحيطات، وحركات المد والجزر، والحرارة الأرضية في العالم لن يعوض سوى 2 في المئة من الطاقة التي نستخرجها من الوقود الأحفوري. وبالمثل، فإن التوقف عن إقامة سدود لاستخراج الكهرباء على كل الأنهر الممكن استغلالها اقتصاديا على كوكب الأرض – وهو سيناريو مستبعد – لن يعوض سوى 10 في المئة من استعمال الوقود الأحفوري. أما بالنسبة للرياح – فإذا استغللنا كل الطاقة التي يمكن استخراجها على نحو واقعي على ارتفاعات 250 قدما فوق سطح كوكب الأرض – فيمكن أن تعوض 10 أو 20 أو 30 في المئة من استعمالنا الوقود الأحفوري. دوجلاس فوكس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب متخصص في القضايا العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"