كان من الطبيعي أن تحظى الزيارة التي قام بها أوباما للهند باهتمام فائق، حيث كان من المتوقع أن يتم خلالها إعادة العلاقة بين البلدين إلى حجمها الطبيعي، وذلك بعد أن فقدت الكثير من زخمها بسبب تركيز السياسة الخارجية لإدارة أوباما على الأزمة في أفغانستان خلال العام المنصرم من ناحية، والتوجه الهندي تجاه الشرق من أجل تنمية العلاقة مع الدول الآسيوية التي تنظر إليها نيودلهي على أنها ستمثل مركز القوة الاقتصادية الصاعد في العالم، في أعقاب الأزمة المالية والاقتصادية التي هزت مراكز القوة التقليدية في العالم. كان من المتوقع أيضاً أن تتيح الزيارة الفرصة لزعيمي البلدين لمناقشة العديد من الموضوعات المعلقة التي تهم بلديهما مثل موضوع الإرهاب والأزمة في باكستان وأفغانستان، والموضوعات المتعلقة بالتعاون في المجالين العسكري والنووي. مع ذلك، ليس هناك شك في أن الموضوع الذي تصدر أجندة أوباما خلال الزيارة هو موضوع العلاقات الاقتصادية بين البلدين. فالرئيس الأميركي الذي أمضى أربعة أيام في الهند، جلب معه أكبر وفد تجاري أميركي في التاريخ، وذلك من أجل فتح السوق الهندية الواسعة أمام شركات بلاده بما يساعده على إطلاق اقتصاده المتعثر، وتقليص نسبة البطالة التي وصلت رقمين عشريين، واستثمار تفوق بلاده في مجال التقنية الفائقة. ومن ضمن الموضوعات التي يمنحها أوباما اهتماماً خاصاً، ذلك المتعلق بعقد صفقات دفاعية وتعزيز التعاون النووي مع نيودلهي، والدخول معها في مشروعات تساعد على توفير عشرات الآلاف من الوظائف الجديدة في الولايات المتحدة، خصوصاً على ضوء التقارير التي تؤكد أن نيودلهي تستعد لعقد صفقات بمليارات الدولارات مع كبار موردي المعدات النووية في العالم. مع ذلك هناك موضوع يتوقع الخبراء أن يشكل عقبة على طريق تعزيز التعاون النووي مع الهند وهو موضوع "المسؤولية النووية" . ففي الأسبوع الماضي، وفي إطار الاستعداد لزيارته الآسيوية، وقع أوباما على ما يعرف بـ( اتفاقية التعويضات الإضافي)، وهي عبارة عن اتفاقية دولية تتعلق بالتعويضات عن الأضرار النووية، وذلك كي يتجنب الانتقادات التي توجه في الولايات المتحدة للقانون الهندي الذي لا يتفق مع المعايير الدولية. ويشار في هذا السياق إلى أن الشركات الأميركية الكبرى العاملة في المجال النووي مثل"ويستنجهاوس" و"جنرال اليكترونيكس"، وهي شركات حريصة على التعامل مع قطاع الطاقة الهندي، تشتكي من إنها غير قادرة على عقد اتفاقيات مع ذلك القطاع بسبب قانون المسؤولية المدنية الذي يجعل الشركات الموردة للمعدات النووية لدولة ما مسؤولة قانونا في حالة وقوع حادث نووي في البلد المستورد. وهذا الموضوع على وجه التحديد كان من الموضوعات التي حرص الجانبان على إيجاد حل لها قبل زيارة أوباما على اعتبار أن ذلك الحل يمثل الخطوة الأخيرة التي يلزم القيام بها قبل عقد صفقة نووية مدنية بينهما. الهند حرصت خلال الزيارة على التعبير عن امتنانها لواشنطن للجهود التي بذلتها من أجل إتاحة الفرصة لها للدخول مجددا في السوق العالمية لتجارة معدات وإمدادات الطاقة النووية، وذلك من خلال المساعي التي بذلتها للحصول على إذن بذلك من"مجموعة الموردين النوويين" Nuclear Suppliers Group. وتشير تقارير إلى أن القيادة الهندية قد استبعدت التفكير في إصلاح القانون الهندي المتعلق بالمجالات النووية خصوصا البند الخاص بالمسؤولية لأن هذا البند يتسم بحساسية لديها حيث أنها البلد الذي شهد بالفعل وقوع كارثة بحجم كارثة تسرب الغاز من منشأة صناعية في مدينة"بوبال"1984 وهي الكارثة التي وصل عدد ضحاياها إلى الآلاف، التي عانى ضحاياها وأقاربهم الأمرين لسنوات طويلة من أجل الحصول على تعويضات حكومتها المسؤولة قانونا عن تلك الكارثة. المجال الآخر الذي تحرص" واشنطن" على تنشيط التعامل فيه مع"نيودلهي" هو مجال الدفاع. ويشار في هذا السياق إلى أن الهند قد قامت العام الماضي بتوقيع عقد بمليار دولار لشراء طائرات نقل من طراز (هركيولز سي - 130جي) التي تصنعها شركة "لوكهيد مارتين "وذلك لإدخالها للخدمة في القوات الجوية الهندية كما أنها وقعت أيضاً، ولنفس الغرض عقداً آخر بقيمة 2.1 مليار دولار لشراء ثماني طائرات من نوع(بي - 81 بوسايدون). كما تتطلع في الوقت الراهن لشراء 126 طائرة مقاتلة متوسطة المدى متعددة الأدوار من الولايات المتحدة، وهي طائرة تتنافس العديد من الدول للحصول عليها. ولدى الهند مجموعة أخرى من الموضوعات التي وضعتها على "قائمة الرغبات"، التي تنوي مناقشة بنودها مع واشنطن والاستفادة من نفوذها بشأنها. على رأس تلك الموضوعات رغبة الهند في حذف الشركات الهندية مما يعرف بقائمة الكيانات List of Entities . فمن المعروف أن واشنطن قامت عقب التجارب الهندية النووية عام 1998 بوضع كافة الأجهزة التابعة لإدارة الطاقة النووية الهندية، وكذلك ما يعرف بـ(منظمة تطوير الأبحاث الدفاعية) على تلك القائمة. وبعد مفاوضات بين الجانبين وافقت الولايات المتحدة حتى الآن على حذف اسم المنظمة الأخيرة وعدد من الوكالات الأخرى من القائمة المذكورة ولكن البلدين لا يزالان يتفاوضان بشأن حذف اسم (إدارة الطاقة النووية الهندية) من تلك القائمة. بالإضافة للموضوعات التجارية والاقتصادية لا تزال الأزمة المحتدمة في المنطقة تمثل داعيا للقلق من جانب الدولتين. على الرغم من أن البلدين لديهما نفس القلق تجاه الظاهرة الإرهابية، إلا أنهم لم يقوما بتطوير استراتيجية مشتركة لمواجهتها - ولا يحتمل أن يتوصلا إلى مثل هذه الاستراتيجية في المستقبل القريب. يرجع هذا لباكستان التي لا تزال تواصل استخدام البعبع الهندي للحصول على تنازلات من الولايات المتحدة مستفيدة في ذلك من موقعها الذي يحظى بأهمية جيو ـ استراتيجية خاصة بالنسبة للسياسة الأميركية في أفغانستان. وعلى الرغم من أنه من المتوقع لأوباما و"مان موهان سنج" مناقشة موضوعي أفغانستان وباكستان إلا أن الحقيقة هي أن البلدين ليس لديهما الكثر من القواسم المشتركة بشأن استراتيجية مواجهة الإرهاب. وفي محاولة لإرضاء الهند قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على باكستان التي يتواجد على أراضيها جماعات إرهابية محظورة مارست الإرهاب ضد الهند مثل جماعة "لشكر طيبة" و"جيش محمد"، وذلك قبل أيام قليلة فقط من تاريخ بدء زيارة أوباما. يرجع هذا لأن الرئيس الأميركي وصل أولاً إلى مدينة "مومباي" وسكن في فندق تاج محل الذي كان هدفا لهجمات "لشكر طيبة" عام 2008.