بالنسبة لأولئك الذين يمتدحون الاقتصاد العالمي بين فترة وأخرى، أطرح سؤالاً يكاد يكون أزلياً: كم من الوقت يمكن أن تدوم الأوقات الجميلة؟ فمنذ عام 2003 كان الدخل الإجمالي العالمي ينمو بمعدلات مرتفعة تعتبر تاريخية بكل المقاييس، وقد استفادت منها دول وشعوب كثيرة، لكن يبقى أن المشاكل تبدو دائماً، وهي تقبع على قاب قوسين أو أدنى من كافة الدول، خاصة النامية منها، ونحن في الإمارات لسنا بمعزل عن ما يحدث على مدار الكرة الأرضية. المخاطر التي تعصف بالاقتصاد العالمي لاتزال كبرى، فالعجز في الحسابات الجارية للدول العظمى والكبرى خاصة الولايات المتحدة الأميركية، التي هي أكثر أهمية لنا لارتباط عملتنا الوطنية الدرهم بالدولار الأميركي، تدفع بعملاتها إلى مستويات صرف متدنية، وأيضاً فإن من شأن زيادة الطلب على السلع والخدمات في الصين، العملاق الاقتصادي الجديد، أن تزيد من معدلات التضخم العالمي، ويحتاج إلى سياسات مالية أشد صرامة، كما أن اقتصادات القارة العجوز ستستمر في المعاناة من نير أعباء تنظيمية مفروضة ذاتياً، واليابان لن تتمكن مطلقاً من النجاح في صراعها ضد كافة المظاهر الاقتصادية السلبية التي تحدث فيها، وأخيراً أسعار السلع الأساسية ستبقى مرتفعة على المدى القصير على الأقل رغم ما تشهده السوق العالمية من تراجعات في بعض الأوقات. لذلك فإن من المنطقي القول بأن أحداث من قبيل الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية ستحدث من وقت إلى آخر بشكل متكرر، والتاريخ يشهد على ذلك، ففي عام 1987 شهد العالم انهياراً في سوق الأسهم في كافة البورصات العالمية تقريباً، وفي عام 1997 حدثت الأزمة المالية الآسيوية، ومنذ عام 2007 يشهد العالم اهتزازات كبرى في الأسواق المالية سببها الأزمة العقارية في الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا الغربية. لكن على المرء أن لا يخلق موضوعاً مبالغ فيه كثيراً من هذا النمط الذي يحدث مرة واحدة في كل عقد زمني، وبالتأكيد أنه لا توجد اعتيادية دقيقة في هذا الأمر، لكن يبقى أن أحداث من هذا النوع تبدو أن تكون جزءاً حتمياً من سلوك الأسواق المالية، وبعيداً عن أن تكون أمراً غير عادي، فالمبتكرات المالية الجديدة تفتح الأبواب أمام طرق جديدة من أنواع الخوف المغذى ذاتياً، لكي تتسلل بلباقة إلى داخل النظام، ويمكن لتقليص الائتمان أن يكون سريعاً وقاسياً، ويمكن له أن ينتعش بطرق نبيلة مع استمرار التحسينات المالية. وبالتأكيد أن التداعيات الحالية للأزمة القائمة عالمياً لها تأثيرات على النشاط الاقتصادي في الإمارات، لكن ذلك لا يمكن أن يستمر طويلاً. المعالجات تأتي الواحدة تلو الأخرى، والحقيقة أن المخاطر ليست مرتبطة بالأزمة الاقتصادية والمالية وحدها، لكن من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ومن الانخفاض الحاد لسعر صرف الدولار الأميركي، وعند النظر إلى ما يحدث على الصعيد الاقتصادي العالمي، يمكن القول جدلاً بأن كل شيء كان يفترض أن يتسبب في تراجع اقتصادي خلال السنوات القليلة الماضية آخذ في الزوال والانحسار، فهل تشهد الفترة من الآن إلى نهاية عام 2011 تحقق التبوءات المتفائلة بأن يجتاز العالم محنته الاقتصادية؟ د. عبدالله جمعة الحاج