ليس هنالك ما يجعل الإنسان يشعر بعدم الراحة أكثر من زيارة وطنه الأم والشعور بعدم القدرة على عمل أي شيء. تضطرني زيارة الضفة الغربية حيث ولدت لأن أتذوق أعباء الحياة اليومية والشعور بيأس شعب بأكمله. عندما أزور فلسطين أصبح مصمماً أكثر فأكثر على دعم نهاية عادلة للورطة هناك. ألقيت خطابات لا تُعدّ ولا تحصى منذ عقود عديدة، لكني لا أستطيع أن أقدم لكم أية معادلة صالحة، لكني أستطيع أن أثبت لكم أن المعادلة الحالية، مرة أخرى، لن تقدم الحل. اجتذبت سياسيات حكومة فياض في السنوات الأخيرة الكثير من الاهتمام، إذ ركزت على التنمية الاقتصادية في المدن الفلسطينية. ورغم تشاؤمي، لا أستطيع إلا أن أكون صادقاً: فالناس يحبون انعدام المواجهة مع الجيش الإسرائيلي، ويحبون نقاط التفيش والحواجز التي يسهل عبورها نسبياً، ويأخذون السلطة الفلسطينية بجدية أكثر. غنيّ عن القول إن التساؤلات السياسية الجوهرية حول فلسطين ما زالت لم تلمسها يد بعد. واقع الأمر هو أن الفلسطينيين يبدون واقعين في مشكلة أعمق مما كانوا فيه من قبل. فقطاع غزة منفصل بشكل أكثر من مجرد الجغرافيا عن الضفة الغربية. لا أخاف فقط من أن العداء بين "فتح" و"حماس" قد نما لدرجة أن أي احتمال للتسوية بين الفصيلين أمر مشكوك فيه، لكن ما أخافه هو أن الصدوع قد تأصّلت بين الضفة والقطاع. لذا فإعادة التوحيد لن تتم بدون خلافات اجتماعية خطيرة. وبعيداً عن الفرقة بين الفصيلين، أعرب أفراد النخبة من رجال الأعمال الذين طالما أيدوا سياسات فياض، عن استعدادهم لأن يكونوا جزءاً من الهيكل المؤسسي للدولة المستقبلية. ويعتبر ذلك فريداً في السياسة الفلسطينية منذ عام 1948، حيث تتخذ نخبة الأعمال دوراً نشطاً في تشكيل السياسة لتعزيز فرصهم السياسية ومصالحهم. لكن أكثر القضايا صعوبة لم تتغير في الضفة، فسياسات الاحتلال الإسرائيلي مازالت متواصلة. وإذا تم رفع العبء الاقتصادي، بقيت نقاط التفتيش تذكّر الفلسطينيين بالاحتلال. وإذا عبر الفلسطينيون نقاط التفتيش، فسوف تذكّرهم الطرق الالتفافية المخصصة للمستوطنين فقط بالاستيطان الإسرائيلي، الأمر الذي يؤكد للفلسطينيين مرة أخرى أنهم مستعمرون في بلدهم. وإذا ما تم تحقيق حل عادل ذات يوم، فالورطة الحقيقية للحل العادل هي التي يجب التعامل معها أولاً. يجب ألا يتوقع أحد أن يتحقق حل الدولتين عبر المعادلة التقليدية. كما أن التعافي الاقتصادي الذي لا يرتبط بعملية سياسية لن يقود المجتمع الفلسطيني قدماً بوجود قليل من الشيكلات الإسرائيلية في جيوبهم! وحسبما نعلم، كانت الانتفاضة الأولى نتيجة لضغط الاحتلال وانعدام الحقوق السياسية للفلسطينيين. لا تحِلّ التنمية الاقتصادية مكان الحق في تقرير المصير. لقد رفض الفلسطينيون الاحتلال وأرادوا حلولاً. لذلك أخاف أن تعود بنا سياسات فياض، رغم أنها توفر بعض التعافي الاقتصادي، إلى الصورة السياسية لعام 1987، مباشرة قبل الانتفاضة الأولى. وكلما زرت فلسطين أعود إلى عادة التدخين مجدداً. وعندما أجد نفسي عالقاً عند نقطة تفتيش أشعر بالرغبة الملّحة في التدخين. وإذ وجدت راحتي من الواقع الفلسطيني المرعب في سيجارة فإني أستمر دائماً في التدخين. لكن بدلاً من ذلك فكرت في الاستغناء عن المعادلة المعهودة كحلٍ للورطة، هو تماماً مثل الاستغناء عن السجائر التي ثبت أنها تسبب السرطان. هناك حاجة ماسة لأفكار جديدة... يجب أن يكون شعارنا: "السلام لا يحتاج إلى السجائر". د. كرم دانا باحث بكلية كينيدي للحكم بجامعة هارفرد ------ ينشر بترتيب مع خدمة كومون جراوند