لا زال هناك الكثير من الغموض الذي يلف سياسات الطاقة في العالم، فالاحتياطيات ترتفع وتهبط وفقاً لاكتشافات جديدة أحياناً ووفقاً لحمى المضاربات أحياناً أخرى، كما أن تطوير مصادر الطاقة البديلة يخضع لاعتبارات تجارية أكثر منها بيئية، مما يؤدي إلى احتدام الصراعات على مصادر الطاقة المتوفرة، حيث تشكل منطقة الخليج نواة هذا الصراع، كما تشير إلى ذلك بوضوح الحروب والصراعات الدائرة في المنطقة وحولها. ومن هنا يكتسب المؤتمر السنوي للطاقة الذي نظمه "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية"، الذي عقد في العاصمة أبوظبي الأسبوع الحالي أهمية كبيرة للاطلاع على مستجدات عالم الطاقة الحساس والمعقد، حيث تطرق المؤتمر إلى العديد من القضايا الخاصة بصناعة الطاقة في القرن الحادي والعشرين والتغيرات المرتقبة التي تحمل في طياتها الكثير من التحديات ليس للبلدان المنتجة للنفط فحسب، وإنما للبلدان المستوردة أيضاً. وعلى رغم المحاولات الخاصة بمعرفة حقيقة احتياطيات النفط في العالم، وفي الخليج على وجه الخصوص، إلا أن البيانات حول هذا الموضوع المهم كانت متفاوتة إلى حد بعيد، كما أنها على ما يبدو تخضع لاعتبارات سياسية وتجارية يبنى عليها العديد من التوجهات التي يتوقع أن تسود أسواق الطاقة في السنوات القادمة. وإذا ما نحينا جانباً موضوع الاحتياطيات التي تتفاوت بنسبة 50 في المئة بين تقدير وآخر، وهي نسبة كبيرة يمكن أن تبنى عليها مواقف وسياسات استراتيجية متعددة، فإن ما يهم البلدان المصدرة للنفط بشكل عام ودول مجلس التعاون الخليجي بصورة خاصة هو مستقبل أسواق النفط وعلاقته بمصادر الطاقة البديلة، التي يمكن أن تقلب العديد من الثوابت في ميزان الطاقة العالمي. ومن خلال توجهات دول المجلس ذاتها لمصادر الطاقة البديلة، وبالأخص الطاقة الشمسية والنووية، فإن ذلك يشير بوضوح إلى أن العد التنازلي لعصر النفط قد بدأ بالفعل، على رغم ما يقال عن احتياطيات ضخمة تتم المبالغة فيها من قبل بعض البلدان لزيادة حصصها الإنتاجية ضمن سقف منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" إذ أعلن العراق في شهر أكتوبر الماضي عن زيادة كبيرة في احتياطياته لتصل إلى 135 مليار برميل بدلًا من 90 ملياراً، وأعقبته إيران بعد أقل من أسبوع لترفع احتياطياتها بنسبة مماثلة. ولا شك أن انتهاء عصر النفط مهما طال سيعني الكثير للبلدان المنتجة، إلا أن على رأس قائمة الأولويات تأتي مسألة إعادة هيكلة الاقتصادات النفطية التي قد تتطلب وقتاً طويلاً يتزامن مع فترة أفول زمن النفط. ومن المعروف أنه على مدى أكثر من ستين عاماً تمحور النشاط الاقتصادي في دول الخليج حول النفط، الذي اعتبر المحرك الرئيسي لكافة الأنشطة الاقتصادية، فارتفاع أسعاره يعني النشاط والحيوية للاقتصادات الخليجية، كما أن انخفاضها يعني الركود وشد الأحزمة بانتظار جولة أخرى من الارتفاعات في الأسعار. وإذا كان الحال كذلك، فأي القطاعات الاقتصادية مرشح للعب دور المحور للاقتصادات الخليجية؟ هل هو مصدر الطاقة البديلة المنتظر؟ أم هو القطاع الصناعي أم المالي؟ استفسارات مهمة سيتوقف عليها مستقبل التنمية في هذه البلدان. ويبدو أن التنوع الاقتصادي هو الأقرب لمرحلة ما بعد النفط، علماً بأن مثل هذا التنوع بحاجة إلى وقت طويل وجهود مضاعفة، حيث تعتبر هذه القضية واحدة من القضايا الاستراتيجية الملحة التي توقف المؤتمر أمامها، إذ تم تناول العديد من القضايا المهمة وذات الأبعاد التنموية المرتبطة بتحديات عصر النفط والطاقة والتي يفترض أن توليها المؤسسات الرسمية ومراكز البحوث والدراسات والهيئات التنموية الأهمية التي تستحقها، وذلك لارتباطها بالمستقبل الاقتصادي وبتوفير مستلزمات التنمية المستدامة.