لم تحظ السياسة الخارجية باهتمام ذي شأن في انتخابات التجديد النصفي، بحيث يبدو استهلال هذا المقال بالحديث عنها قراراً غير حكيم، حيث يمكن ببساطة أن يصرف العديد من القراء، الذين يتطلعون إلى قراءة أشياء أكثر إثارة حول ردود الفعل نحو النتيجة التي انتهت إليها انتخابات التجديد النصفي، عند استكمال قراءته. ولكن ما لا شك فيه أن نتائج الانتخابات التي جرت منذ ما يزيد عن أسبوع، سوف يكون لها تأثير كبير، غير واضح المعالم الآن، على دور أميركا في العالم خلال الفترة القادمة. ومن المعروف أن أي رئيس أميركي يواجه مأزقاً في السياسة الداخلية، يسعى إلى أن يجد مخرجاً له في السياسة الخارجية، لأنه يضمن أن الأضواء فيها سوف تسلط عليه بمفرده. الوضع يختلف في الداخل، حيث يوجد هناك دوماً قائد عام واحد للشيء الواحد في وقت ما. ومن هنا فإن النقاشات القادمة بشأن خفض الميزانية، وإلغاء إصلاحات قانون الرعاية الصحية"هيلث كير" سوف تكون من الحدة إلى الدرجة التي يمكن معها أن تجعل موضوعاً معقداً مثل صراع الشرق الأوسط يبدو قابلًا للحل بالمقارنة بها. ولكن الطريقة الخاصة بتأسيس درجة أهمية الشيء من أجل تفسير سبب الاهتمام به أو إهماله، لا يقدر لها النجاح دائماً. وعلينا هنا أن ننسى الأسطورة التي يرددها الدبلوماسيون باستمرار وهي أن التحديات العالمية توجد بسبب قصور الاهتمام بها من الأساس. فالحقيقة التي لا مراء فيها، أن التحديات والمشكلات توجد بسبب ديناميكيات داخلية ليس لها علاقة بقصور الاهتمام الأميركي بها. فعدم التوصل لتسوية في الشرق الأوسط يرجع في حقيقة الأمر لأن القادة الفلسطينيين منقسمون على أنفسهم، وغير قادرين على تحقيق أي اتفاق بينهم؛ كما يرجع أيضا بنفس الدرجة لأن اليهود الذين يشعرون بالأمان خلف الجدران العازلة، ليس لديهم الرغبة في الدخول في تسويات خطرة مع الفلسطينيين، ويركزون اهتمامهم بشكل أساسي على إيران بدلاً من حل مشكلتهم مع الفلسطينيين. والملف النووي الإيراني لم يُحلّ حتى الآن، لأن النظام الإيراني يرى فائدة استراتيجية في التلويح بالمحادثات، والعمل في ذات الوقت، وبدون توقف، عن توسيع القدرات النووية. هناك مجال واحد يكون فيه اهتمام الرئيس عادة ذا تأثير حاسم هو مجال التهديد بالقوة العسكرية واستخدام هذه القوة. ولكن بمجرد تبلور التهديد، وليكن إيران مثلاً، فإن العدو هو الذي يحدد بعد ذلك مسار المواجهة سواء من خلال الامتثال لما يُملى عليه أو من خلال تحديه. والتسيير اليومي للسياسة الخارجية من قبل الرئيس سيتعقد بسبب الموجة "الجمهورية". ونظراً لعدم وجود إيديولوجية واضحة لـ"حزب الشاي" في مجال السياسة الخارجية، فإن درجة حماسة كل زعيم من زعماء الكونجرس تجاه القضية التي يتبناها سوف تلعب دوراً كبيراً، على سبيل المثال "إيلينا روس ـ ليهتين" رئيسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، التي تقف ضد تحسين العلاقات مع كوبا، وموقف السيناتور "جون كيل" من اتفاقية "ستارت" مع روسيا، والسيناتور "جون ماكين" تجاه تعاطي روسيا مع المسألة الجورجية، على سبيل المثال لا الحصر. ولكن حتى من دون سياسة خارجية واضحة لـ"حزب الشاي"، فإن الأمر المتوقع هو أن يميل مركز الثقل في"كابيتول هيل" نحو "الجاكسونيين" (نسبة إلى أندرو جاكسون الرئيس السابع للولايات المتحدة)، أي في الاتجاه الذي يتبنى استخدام سياسة خارجية متشددة، وميالة للمواجهة من أجل الدفاع عن مصالح أميركا الخارجية، ومتشككة في القانون الدولي والمؤسسات الدولية. ومن المرجح أن يؤدي صعود "الجاكسونيين" في"كابيتول هيل" إلى مقاومة التوجه نحو زيادة الإنفاق على المساعدات الخارجية للدول الأجنبية، وإلى تعطيل التعاطي الأميركي مع الأمم المتحدة التي كانت على درجة من الغباء دفعتها لعقد جلسة لمناقشة ملف حقوق الإنسان في موعد يلي انتخابات التجديد "النصفي"، وتقوم فيها دول مثل كوبا، وإيران وفنزويلا برصد سجل انتهاك حقوق الإنسان في الولايات المتحدة. ولكن الاختبار الأكبر لهذه السياسة سيكون أفغانستان التي يواجه فيها أوباما تحدياً نادراً. فالقاعدة المؤيدة للرئيس الأميركي في استمرار تلك الحرب توجد بشكل أساسي في الحزب المعارض، وهو ما يجعل من موقف "الجمهوريين" في هذا الشأن حاسماً. ومع اقتراب شهر يوليو 2011 الذي حدده أوباما باعتباره الشهر الذي سيبدأ عنده في سحب القوات الأميركية من أفغانستان، فإن أي إشارة أو تلميح لوجود انقسام بين العسكريين والمدنيين بشأن الاستراتيجية، يمكن أن تؤدي لتآكل الدعم "الجمهوري" بشكل دراماتيكي، خصوصاً وأن "الجاكسونيين" يحبون كسب الحروب على الدوام. إما إذا ظهر أوباما متردداً، فإنه يمكن بسهولة حينئذ إن ينقلبوا ضد حرب لا يبدو الرئيس راغباً في كسبها. لا أحد يبدي اهتماماً بالسياسة الخارجية عادة، ما لم تبدأ أزمة من أزمات تلك السياسة في الطغيان على كافة المسائل والقضايا الأخرى، أو ما لم تبدأ سياسة خارجية منحرفة عن المسار وفاقدة للبوصلة في المساس بالاعتزاز "الجاكسوني" التقليدي بالأمة الأميركية. مايكل جيرسون كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"