يصف البعض فشل محاولة "القاعدة" في تفجير طائرتين باستعمال طرود مفخخة باعتبارها مؤشراً على ضعف الإرهابيين؛ والحال أن العكس هو الصحيح، لأن الأمر يتعلق بمخطط إرهابي خطير ومتطور؛ حيث أرسلت "القاعدة" على ما يبدو طروداً تجريبية إلى الولايات المتحدة بهدف رسم خريطة الطريق التي تسلكها والبحث عن نقاط ضعف في نظام الشحن الجوي. وبعد ذلك، استعمل عملاء "القاعدة" المعلومات التي تم جمعها من تلك التجارب لتلافي أنظمة المسح الضوئي وخرق الأمن الجوي ووضع قنبلتين على متن رحلتين دوليتين ... رحلتين تجاريتين تقلان مئات الراكبين. القنبلتان صُممتا على نحو ينم عن خبرة كبيرة لدرجة أن الأسلاك كانت غير قابلة للرصد تقريباً بواسطة أشعة" إكس"، أما المادة التي استُعملت في القنبلتين، "بي إي تي إن"، فتعد واحدة من أخطر المواد المتفجرة في العالم وكانت القنبلتان تحتويان على ضعف كمية "بي إي تي إن"، التي كانت توجد في قنبلة الملابس الداخلية المشهورة خلال أعياد الميلاد 2009. كما كانتا مزودتين بجهازي توقيت من الهواتف النقالة يستطيعان إحداث الانفجار أثناء الطيران. ولو جرى تفجيرهما أثناء نقلهما على متن طائرات مسافرين أو فوق مدينة كبيرة، لكان الهجوم كارثياً. وثمة عدد من الدروس التي يمكن استخلاصها من هذا المخطط: أولاً: إذا كانت استثماراتنا الأمنية خلال العقد الماضي قد جعلت من الصعب أكثر على الإرهابيين تنفيذ هجمات، فإننا نواجه أيضاً عدواً مفكراً يقوم باستمرار على التأقلم والتكيف من أجل التغلب على التدابير المضادة التي نتخذها. ولنتأمل التالي: فبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2011، قمنا بتشديد وتمتين أبواب مقصورة القيادة في الطائرات تجنباً لعمليات الاختطاف، فاستعمل الإرهابيون القنابل المخبأة في الأحذية لاختراق دفاعاتنا. وعندما بدأنا في استعمال عمليات المسح الضوئي لرصد قنابل ممكنة قد تكون مخبأة في الأحذية، لجأ الإرهابيون إلى المتفجرات السائلة المخبأة في المشروبات الرياضية – وكادوا ينجحون عام 2006 في الإطاحة بسبع طائرات كانت تعبر المحيط الأطلسي باستعمال مثل هذه المواد المتفجرة. وعندما بدأنا في تحديد حد أقصى لكميات السوائل التي يستطيع المسافر حملها معه على متن الطائرة، اخترقوا دفاعاتنا باستعمال قنابل مخبأة في الملابس الداخلية - وكادوا يطيحون بطائرة لنقل المسافرين خارج ديترويت في ديسمبر الماضي. وعندما عززنا التدابير الأمنية للبحث عن مثل هذه المواد، تكيفوا مرة أخرى مع الوضع الجديد، واستعملوا قنابل خبئت في طرود. وعليه، فعندما نتبنى تدابير جديدة لتفتيش الشحنات والطرود رداً على هذه المحاولة الأخيرة، سيتكيف أعداؤنا مع الوضع الجديد مرة أخرى – وسيتبنون طرقا وأساليب أكثر ابتكارا لقتل الأبرياء. وبالتالي، فنحن في سباق مستمر لنظل متقدمين على أعدائنا، ولا يمكننا أن نتقاعس ونتخاذل. ثانياً: إذا كان يتعين علينا أن نسد الثغرات ونصلح نقاط الضعف التي استغلتها "القاعدة" في هذا الهجوم، فيجب علينا أيضاً أن نقر بأنه لا يمكن اتقاء كل وسيلة هجوم ممكنة. والطريقة الوحيدة لحماية أميركا تتمثل في الحفاظ على موقف هجومي ووقف الإرهابيين قبل أن يظهروا أمام وكالة "فيديكس" حاملين طروداً مفخخة من أجل الشحن؛ وهذا الأمر يتطلب تكثيف العمليات الهجومية في باكستان واليمن وأجزاء من شرق أفريقيا، ومن ذلك زيادة الضربات الجوية بواسطة طائرات من دون ربان، والتي يقال إن أوباما قد أمر بها، كما يتطلب تطوير سياسة اعتقال تتصف بالانسجام والتماسك، وذلك حتى إذا قبضنا على زعماء إرهابيين كبار، فإننا نستطيع التحقيق معهم واستنطاقهم بدون اللجوء إلى التعذيب، كي نتمكن من كشف مخططاتهم قبل تنفيذها. ثالثاً: يجب أن نحترس من الفكرة القائلة بأن الإخفاقات الأخيرة تعكس ضعف العدو وتضعضعه. فالأشخاص الذين يلمحون إلى أن "القاعدة" لا تطرح تهديداً خطيراً إذا كان هذا الهجوم الفاشل الأخير هو أفضل ما تستطيع أن تأتي به، سبق أن قالوا الشيء نفسه في أكتوبر 2000، عندما هاجمت "القاعدة" السفينة الحربية الأميركية "يو. إس. إس. كول" وأحدثت بها ثقباً؛ حيث فشل الإرهابيون في هدفهم المتمثل في إغراق السفينة وقتلوا 17 شخصا "فقط" – وهو عدد أصغر بكثير من المئات الذين قُتلوا والآلاف الذين جُرحوا في تفجير السفارتين الأميركيتين في شرق أفريقيا عام 1998. وقتئذ، كان سيبدو من السهل وصف عملية تفجير سفينة "كول" بأنها مؤشر ضعف؛ والحال أنها، وعلى غرار عملية تفجير مركز التجارة العالمي بواسطة شاحنة مفخخة عام 1993، كانت توطئة لهجمات أكثر دموية مقبلة – مثلما علمنا في الحادي عشر من سبتمبر، حيث قتلت "القاعدة" قرابة 3 آلاف شخص ذاك اليوم في هجوم لم تستعمل فيه سوى تذاكر الطائرة وشفرات - وعلمنا أن أعداءنا لا يحتاجون لأسلحة دمار شامل ليسببوا دماراً هائلًا. إن إنكارنا لخطر "القاعدة" أمر خطير، وبينما كنا نتعاطى مع تداعيات ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، اعترف الكثير منا بأن الميل البشري إلى التقاعس والتخاذل سيمثل دائماً تحدياً، ويمكن أن يكون سبباً لفشلنا الدراماتيكي في حماية أميركا. وواقع الحال يشير إلى أن وتيرة محاولات الهجوم على أميركا تعرف ارتفاعاً، وليس انخفاضاً. ففي أقل من أحد عشر شهرا، اخترق الإرهابيون دفاعاتنا ثلاث مرات: في أعياد الميلاد، وفي ساحة "تايم سكوير"، واليوم بواسطة أحدث مخطط من اليمن. في الحالتين الأوليين، تم تفادي الكارثة فقط لأن القنبلة تعطلت. أما في الحالة الثالثة، فقد تم الكشف عن القنابل فقط بفضل معلومة من الاستخبارات السعودية. ثلاثة نجاحات في أقل من عام؛ غير أنه في المرة القادمة قد لا يحالفنا الحظ – وحينها قد تكون العواقب وخيمة. جيمس لوي ----- نائب سابق لوزير الأمن الداخلي الأميركي (2003 - 2005) ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس