يُنهي، اليوم، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية مؤتمره السنوي السادس عشر للطاقة. وقد تناول فيه التحديات الناشئة عن النفط، وجاءت على شكلين: الأول، زيادة الطلب على الطاقة بشكل عام في العالم خاصة من الدول الصناعية الناشئة مثل الصين والهند. والثاني الإعلانات عن الاكتشافات الجديدة للنفط في العالم، وهذا معناه زيادة حجم الاحتياطات المؤكدة. ومن شأن هذا بالتأكيد إثارة هواجس ومخاوف بالنسبة للدول التي تعتمد في دخلها على النفط. وليس في الأمر أي مبالغة عندما نتحدث عن إمكانية أن تنعكس هذه التحديات على استقرار السوق النفطية لما لها من آثار خطيرة حالياً ومستقبلاً. النقطة الرائعة التي طرحت في المؤتمر أن دول مجلس التعاون التي تمتلك احتياطات نفطية تكفي لنحو أربعة عقود قادمة ستبقى هي "رمانة ميزان" الطاقة العالمية. لأن بعض ما يتم الإعلان عنه من اكتشافات جديدة ليس حقيقياً. . وقد ساهمت نفوط هذه الدول في تحقيق التوازن في الحالتين. لكن يبقى التحدي بالنسبة للدول الخليجية هو اعتمادها على النفط، ما يجعل اقتصادها متأرجحاً حسب تقلبات أسعار الطاقة؛ فعندما ترتفع تلك الأسعار تكون التنمية جيدة، والعكس صحيح، وهذا رأي الاقتصادي الدكتور محمد العسومي. التحديات الجديدة للنفط فرضت ترتيبات جديدة بين الدول؛ فالهند والصين، الدولتان الناشئتان تنموياً، عملتا على إعادة ترتيب نفسيهما بشكل أدق، خاصة مع دول الخليج؛ لأن حجم طلبهما في تزايد رغم الاكتشافات الجديدة في العالم وفي دول مختلفة. بل إن زيادة الطلب على الطاقة دفع بدول مثل الولايات المتحدة والصين إلى التنافس في إفريقيا، وهو أمر يشير ضمنياً إلى أن من يتحكم بالطاقة باستطاعته أن يستفيد من مزايا كثيرة عالمياً، باعتبارها المتغير المرن الذي يعيد ترتيب الحسابات الاستراتيجية للدول المصدرة. ومع مرور الوقت تؤكد لنا الأيام أن محاولات الاستغناء عن النفط عن طريق إيجاد البدائل الأخرى، بما فيها الطاقة النووية، التي باتت الدول الكبرى تتخلى عنها، أمر في غاية الصعوبة. بل إن أهميته تزداد، وهناك توقعات بأنه سيكون أحد أسباب الحروب مستقبلاً. فحرب إسقاط نظام صدام في العراق، وقبلها احتلال العراق للكويت، وكذلك دخول أفغانستان... أحد أسبابها هذا المورد المهم من الطاقة الذي أعطى منذ اكتشافه أهمية كبرى للمنطقة. التنافس الدولي الحالي مرتبط بكسب اتفاقيات ثنائية مع الدول المنتجة للنفط، سواء في إفريقيا أو في الخليج أو في منطقة بحر قزوين. لكن يبقى النفط الخليجي هو الأكثر "سحراً"؛ لأنه الأكثر احتياطاً، والأسهل نقلاً، والأضمن إمداداً، رغم حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة. والتحديات الناشئة عن الطاقة مبعثها الدول الصناعية التقليدية التي تعتمد كثيراً على النفط في تشغيل مصانعها، ومبعثها أيضاً القلق من التحرك الصيني البطيء و"الناعم"، وكذلك التحرك الهندي القريب من دول الخليج المنتجة للنفط والضامن المريح لمستوردي الطاقة. الكثير من التفسيرات تؤكد أنه رغم الاكتشافات الكثيرة في إفريقيا التي أصبحت ساحة للتحرك الصيني من منطلق دبلوماسية "المصلحة للجميع"، حيث أصبحت الصين الأكثر قبولاً في إفريقيا مقارنة بالولايات المتحدة وفرنسا، فإن لنفط الخليج سحره الخاص. السمة العامة لكل الدول في العالم نقص الطاقة. وربما تمثل ذلك جزئياً في حصول انقطاعات الكهرباء خلال هذا العام؛ ما يعني أننا مقبلون على أزمة طاقة حقيقية خلال المرحلة المقبلة، وهذا يحتاج إلى جهود مشتركة لدول العالم كافة لمواجهته.