سنّة الحياة التغير، وإذا ما قبلنا هذه الحقيقة فسنجد التغير يجري لصالح المجتمع طالما أن هناك اتفاقاً على الحقوق والواجبات. نحن في الكويت نعيش حالة فوضى عامة، ولا يملك أحد القبض على العصا من منتصفها، ولو تركنا الوضع على ما هو عليه فلا نعرف نتائجه وعواقبه. نحن في حاجة إلى مكاشفة لقبول التغير في بُنى المجتمع، وما الصراع الذي نشهده إلا بسبب تجاهلنا الواقع الاجتماعي. الدول الحية دائماً تتميز بمرونة كافية لاستيعاب التغير، فهي الحاضنة للجميع، أما تهميش قوى اجتماعية ناهضة بحجة الإصلاح السياسي أو غيره، فهو طريق محفوف بالمخاطر. الدولة عليها أن تنصت للضمير الجمعي، وإذا ما حاولت تجاهله فهي -ودون أن تدري- تدفع بظهور الفورانات الكامنة. وكما يقول أحد المختصين بالشأن الخليجي، فإن كل فشل يصاحبه نشوء ظاهرة تمرد، سلمية تارة، وصامتة تارة ثانية، وعنيفة تارة ثالثة. لكن النتائج لا تحسم وفق حسابات سطحية بقدر ما تحسب بميزان القوى الاجتماعية التي تتغير بمرور الزمن. وفي حالتنا الكويتية فإن ميزان القوى الاجتماعية لا يمكن أن يستمر كما كان عليه في ثلاثينيات القرن المنصرم حيث تغير المجتمع وظهرت قوى ناهضة جديدة كان يُحسب عليها كحليف في الجيب، لكنها اليوم تقود الوجهة الجديدة للمعارضة. قبولنا للقوى الناشئة لا يعني تهميش القوى التقليدية الماسكة على كل شيء، وإنما ذلك من باب المرونة الاجتماعية اللازمة لامتصاص الفوران الذي لا نريد له أن ينفجر. واليوم نشهد صراعاً سياسياً بين أجندات خاصة تخرج لنا بعد تجميلها على أنها أجندات تهدف إلى الصالح العام. وإذ نشعر اليوم بالضياع والخوف على أمن المجتمع في ظل محيط مضطرب، نشير إلى أن المشكلة تتجسد في كيفية الالتقاء على أولويات بين أقطاب الصراع، شريطة أن نعترف بأن الديمقراطية ليست بتجريد الخصم من امتيازاته طالما هي غير مؤذية للمجتمع. ولو أخذنا الرياضة والتجارة مثلاً، وهما من محاور الصراع ومجالات التصفية، فسنرى أنه يمكن اعتماد لعبة التنازل والتبادل بين هذين المجالين بما يحفظ لكل منهما أهميته وخصوصيته، بمعنى أنه إن سعيْنا إلى إعلاء شأن الرياضة فذلك مطلب للتجارة، كما أن الرياضة يسرها إعلاء شأن التجارة، لكن ضمن توازن مدروس يدرك فيه كل طرف أين يقف وما هي حدوده. فلو منحنا التجارة كل ما تريد فذلك انتصار لا يسر الرياضة، ولو عكسنا المعادلة فالنتيجة واحدة، لكن هناك ما نتفق عليه لو اعترفنا بحق التغير وقبول القوى الرياضية الناهضة التي يجب أن لا تهمش جماعة التجارة. ما نقوم به هو علاجات جزئية غير مجدية، وأقصد البيع بالمفرق مع هذه العائلة أو القبيلة أو الطائفة، فهذه المعادلة كانت مقبولة في مرحلة ما، لكن لا جدوى منها اليوم في ظل أوضاع متشابكة لمحاور الصراع. والسؤال هو: لماذا لا تكون للدولة أجندة معلنة وتأخذ بمبادرة جريئة لإخماد الفوران المكبوت. المخرج هو أن نتفاهم ضمن قبولنا ببعضنا البعض باعتبارنا مكونات لمجتمع واحد، لذلك يتحتم علينا أن نستوعب التغير ولا نكابر بقبول نتائجه. استمرار حالة الاهتزاز في المشهد الكويتي علامة لا تبعث على الارتياح، وهي مقلقة لنا وللأشقاء عامة في الخليج، خصوصاً إذا ما وضعنا في الاعتبار القلق الإقليمي وما قد يترتب عليه من عواقب غير معروفة مما يتطلب إدراك تعقد الوضع وخطورته على الشأن المحلي.