من الأشياء المألوفة هذه الأيام، والمريحة إلى حد ما بالنسبة لـ"الديمقراطيين" تحديداً، استحضار ذكريات غائمة من عام 1994، عندما خسر حزبهم ـ مثلما حدث الثلاثاء الماضي ـ الأغلبية في مجلس النواب أمام "الجمهوريين" في انتخابات التجديد النصفي (إبان ولاية الرئيس بيل كلينتون). هل كانت تلك الخسارة سيئة للغاية؟ لا، لم تكن، حيث قادت - على الأقل - إلى فترة خصبة من عقد الصفقات بين الحزبين، وبعدها بعامين فاز كلينتون، بفترة ولاية ثانية، بهامش مريح. غير أن هذه نسخة مُزَيّنة من التاريخ. فقبل أن يتمكن الرئيس، ورئيس مجلس النواب في ذلك الوقت"نيوت جنجريتش" من التوصل لتسويات بشأن الضرائب، وخفوضات الإنفاق، وإصلاحات الرفاه، فإنهما ارتطما بعنف ودخلا في مواجهة مريرة بشأن الميزانية انتهت بتوقف مشروعين فيدراليين كبيرين عام 1995. وتماما مثلما أراد جنجريتش و"الجمهوريون" اختبار حدود القوة الجديدة التي حصلوا عليها بفوزهم فإن"بونر" الزعيم الجديد للأغلبية "الجمهورية" في مجلس النواب يتوقع أن يفعل شيئاً مماثلًا ويسعى إلى الدخول في مواجهة عنيفة واحدة على الأقل مع الرئيس أوباما لاختبار مدى صلابة الرئيس من جهة، وللوفاء بوعد نواب الحزب الفائزين لقاعدتهم الجماهيرية من"حزب الشاي". وهناك صدام واحد يبدو شبه أكيد مع الرئيس، وهو السعي لإجراء تصويت من أجل إلغاء قانون الرعاية الصحية"هيلث كير" لأوباما، وهو التصويت الذي يكاد يكون من المؤكد أن أوباما سوف يستخدم حق "الفيتو" الذي يتمتع به لنقضه. ويبدو أن التحدي الذي سيواجه أوباما خلال العامين المتبقيين من فترة ولايته الأولى أصعب من ذلك الذي واجهه كلينتون لعوامل عديدة منها: إن أوباما ليس كلينتون. فعندما خسر "الديمقراطيون" الأغلبية في مجلس الشيوخ عام 1994، كان رد كلينتون في اليوم التالي مباشرة هكذا:"لقد أرسلوا لنا رسالة. وفهمت مغزاها بالفعل". أما أوباما فلم نسمع منه شيئاً مماثلًا يوم الأربعاء حيث حاول أن يجد تبريراً لإخفاق حزبه في سبب عام هو الوتيرة البطيئة التي يتم بها التعافي الاقتصادي. وحتى عندما حاول أن يسوق مبرراً بعينه، فإن ذلك المبرر كان هو فشله في المحافظة على مجتمع الأعمال إلى جانبه. أما فيما عدا ذلك فإن الرئيس أصر أن كل ما فعله حزبه كان صائباً حتى وإن كان البعض منه لم يفهم بشكل جيد. والواقع أن الاختلاف في رد الفعل يعكس اختلافا مهماً بين كلينتون وأوباما وهو: أن كلينتون "وسطي" من أركنساس قضى جانباً كبيراً من حياته العملية في عقد الصفات مع "المحافظين"؛ في حين أن أوباما ليبرالي من شيكاغو نجح، حتى الآن على الأقل، لسبب رئيسي هو تقربه إلى قاعدة حزبه. لقد قيل الكثير عن أن أوباما باعتباره أول أميركي أسود يرشح نفسه لمنصب الرئاسة قد درب نفسه طويلاً على ألا يُظهر غضبه علناً، ولكن ما قاله في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد إعلان النتيجة في معرض تبرير الهزيمة التي مني بها حزبه" هذا شيء اعتقد أن كل رئيس بحاجة للمرور به" مشيراً في ذلك إلى كلينتون وريجان، وبدا ما قاله غريباً في نظر كثيرين، حيث كانت هذه أول مرة في تاريخ السياسة الأميركية يتحدث فيها رئيس عن كارثة انتخابية على أنها نوع من العلاج. كان أوباما على حق في عامل واحد كبير هو أن لديه ركوداً كبيراً يثقل حركته. وقال في هذا السياق إنه لو كان معدل البطالة عند خمسة في المئة، لكان أداء حزبه أفضل بكثير، ولكنه يتناسى أنه ليس هناك احتمال لأن تعود نسبة البطالة إلى هذا المعدل قبل أربع سنوات من الآن. من ضمن الأشياء التي يجب أن يقوم بها أوباما خلال العامين المقبلين أن يجد صيغة للتعامل مع "بونر" الذي وإنْ كان ليس على مستوى ذكاء جنجريتش، إلا أنه يتميز عنه بأنه ليس من النوع المندفع المعتد برأيه الذي قد يتعرض بسهولة للحوادث فهو مسؤول سابق "محافظ" لغرفة التجارة والصناعة يؤمن بجمع الأموال، وعد الأصوات والتمسك بعناد برسالته. وهذا في الحقيقة يجعل خطره على أوباما أكثر بكثير من خطر جينجريتش على كلينتون لأن ميله للقيام بعمل قد يترتب عليه تدمير ذاته أقل احتمالًا، خصوصا أنه قد أعلن بالفعل عزمه الاستفادة من دروس عهد جينجريتش، كما تعهد بأنه لن يحاول تعطيل الحكومة الفيدرالية في معركة الميزانية العام المقبل، وكانت الرسالة التي قدمها يوم الأربعاء الماضي معتدلة لحد كبير حيث قال:"إن الأغلبية الجديدة في الكونجرس ستكون هي صوت الشعب الأميركي.... هذا هو الوقت الذي يجب أن نشمر فيه عن أكمامنا ونمضي قدماً للعمل من أجل أولويات الناس وهي: خلق الوظائف، وخفض الإنفاق، وإصلاح الطريقة التي يمارس بها الكونجرس عمله". والمشكلة الكبرى التي ستواجه"بونر" وزميله في مجلس الشيوخ" ميتش ماك كونيل" هي الحرب الأهلية المحتملة في المجمع الانتخابي "الجمهوري" عندما يصل مرشحو "حزب الشاي" الذي ازداد قوة مؤخراً إلى المجمع للبدء في تطهيره مما شابه حسب نظرهم والتي سيقودها قائد حزب الشاي وزعيم متمردي الحزب "الجمهوري" السيناتور"جيم دي مينت" عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ساوث كارولينا والذي كتب مقالاً نارياً في "وول ستريت جورنال" قال فيه:" نحن ذاهبون لواشنطن كي ننقذ البلاد، لذلك ليس أمامكم سوى ارتداء قفازات الملاكمة". المتعة الوحيدة الحقيقية التي يمكن أن يتطلع إليها "الديمقراطيون" خلال الشهور القليلة المقبلة تتمثل في المعركة التي ستندلع بين"جيم ديمينت"وأتباعه من جهة وبين الحرس القديم من قيادة الحزب "الجمهوري". ولكن عليهم ألا يراهنوا على فشل "بونر" فالرجل قد لا يمتلك الكاريزما ولكنه دون شك يعرف جيداً كيف يدير المجمع الانتخابي لحزبه. ربما تتمثل الفرصة المتاحة أمام أوباما في تبني طريق واضح للاضطلاع بالمسؤولية المالية في الأمد الطويل، وذلك من خلال اعتماد الأفكار التي ستتقدم بها مفوضية معالجة عجز الميزانية التابعة لحزبه الشهر القادم وتحدي أفكار "الجمهوريين" في هذا السياق عن البنود التي يمكنهم أو التي ينوون حذفها. هذه في الأساس هي الطريقة التي نجح بها كلينتون عام 1996 في تجديد ولايته لفترة ثانية. ولكنه لن يكون من السهل لأوباما الوصول إلى هذا الحد. دويل ماكمانوس كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم.سي.تي.انترناشيونال"