في الثاني من ديسمبر المقبل، يرتقب أن يختار الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" البلدين اللذين سيستضيفان دورتي 2018 و2022 لكأس العالم. وقد تم اتخاذ هذا القرار الاستثنائي المتمثل في تعيين البلدين المضيفين للنسختين المقبلتين للمونديال في الوقت نفسه ضماناً للتناوب الجغرافي عند استضافة فعاليات هذه اللعبة التي تحظى بمتابعة جماهيرية مكثفة. ومن المعلوم أن القارة الأفريقية استضافت، ولأول مرة في تاريخها، حدثاً رياضياً عالمياً خلال النسخة الأخيرة من كأس العالم (2010)، الذي نظمته جنوب أفريقيا بنجاح. ونحن نعلم أن البرازيل هي البلد الذي سيحتضن دورة 2014، في حين يفترض أن تعود كأس العالم إلى أوروبا في 2018. أما المرشحان الأوفر حظاً لاستضافة هذا الحدث الرياضي العالمي، فهما انجلترا التي سبق لها أن نظمت المونديال في عام 1966، وروسيا الاتحادية التي لم يسبق لها أن حظيت بهذا الشرف من قبل. أما بالنسبة لـ2022، فإن المنافسة تظل غير أكيدة؛ حيث تم استبعاد ملف إندونيسيا، التي تعد أكبر بلد مسلم من حيث عدد السكان، وذلك لاعتبارات من بينها غياب دعم حكومي وثقافة كروية حقيقية في البلاد. وتعد اليابان وكوريا الجنوبية من بين البلدان المرشحة لاستضافة هذا الحدث الرياضي العالمي أيضاً، غير أن حظوظهما في النجاح تظل ضعيفة نظراً لأنهما سبق أن نظما بالاشتراك دورة 2002، ليبقى في السباق بلدان مختلفا الملامح اختلافاً جذرياً هما قطر والولايات المتحدة الأميركية. تعمل هذه الأخيرة، التي سبق لها أن نظمت كأس العالم في عام 1994، على إظهار أن تلك الدورة كانت من بين أكثر الدورات نجاحاً وربحية، حيث سجلت رقماً قياسياً من حيث الحضور. وعلاوة على ذلك، فإن البلد يقدم كل الضمانات المتعلقة بالبنى التحتية (ملاعب، فنادق، وسائل نقل)؛ وبالتالي، الوعد بكأس عالمية سهلة التنظيم. صحيح أن البلد يفتقر إلى تقاليد كروية قديمة ولكنه يضم 24 مليون ممارس لهذه الرياضة؛ والآفاق بالتالي هي أن تغزو كرة القدم السوق الأميركية بشكل نهائي. غير أنه على رأس نقاط ضعف الملف الأميركي توجد الفترة الزمنية القصيرة منذ تنظيم دورة 1994 والامتداد الجغرافي الكبير للبلد، حيث سيتعين على الوفود الرياضية المشاركة أن تتوزع على أربع مناطق زمنية مختلفة. وبالمقابل، توجد قطر البلد الصغير بسكانه البالغ عددهم حوالي مليون نسمة مقارنة مع الولايات المتحدة البلد العملاق. صحيح أن الحجم الصغير للبلاد يمكن أن يشكل عائقاً بالنسبة للاتحاد الدولي لكرة القدم؛ غير أن قطر تتوفر على ملف قوي؛ كما أن الإرادة السياسية للبلاد قوية، ذلك أن رئيس لجنة الترشح ليس شخصاً آخر سوى ابن أمير البلاد. وعلاوة على ذلك، فقطر تقترح كأساً عالمية مكثفة ومتماسكة حيث ترتبط كل الملاعب بشبكة مترو حديثة. زد على ذلك أنه في 2022 سيكون 50 في المئة من سكان الشرق الأوسط دون سن الثانية والعشرين سنة؛ وبالتالي، فهناك آفاق حقيقية لتنمية كرة القدم. ومن جهة أخرى، فإن الموقع الجغرافي لقطر التي تبعد بثلاث ساعات عن التوقيت العالمي الموحد (جرينيتش) سيتيح نقلاً تلفزيونياً للمباريات في أوقات مهمة جداً بالنسبة لأوروبا والشرق الأوسط وآسيا. وإضافة إلى ذلك، تراهن قطر أيضاً على الورقة التكنولوجية عبر نظام تكييف هوائي في الملاعب من أجل مواجهة درجات الحرارة المرتفعة، وبصمة كربونية محايدة بفضل الطاقة الشمسية. ثم هناك بالخصوص حجة جيوسياسية تدفع بها قطر: ذلك أنه حتى الآن لم يسبق لأي بلد عربي أو مسلم أن نظم كأس العالم لكرة القدم أو الألعاب الأولمبية. وبالتالي، فمنح قطر شرف استضافة كأس العالم 2022 من شأنه أن يمثل إشارة قوية تُصلح ما يمكن أن ينظر إليه على أنه جور وإجحاف، يضاهي من حيث أهميته منح تنظيم مونديال 2010 لجنوب أفريقيا، ولاسيما أن قطر تريد أن تجعل من كأس العالم رمزاً للتعاون ما بين الثقافات في الشرق الأوسط عبر لعب دور همزة وصل بين الشرق والغرب. إن قطر، البلد الذي يتمتع بقوة مالية مهمة، وسبق أن أحدث نقلة إعلامية بإطلاقه لقناة "الجزيرة"، تراهن كثيراً على الرياضة كوسيلة للتقارب بين الثقافات، إذ سبق لها أن نظمت الألعاب الآسيوية في 2006. ومن المرتقب أن تحتضن قطر كأس آسيا للأمم في 2011. وعلاوة على ذلك، فإن الدبلوماسية القطرية نشطة بشكل خاص؛ حيث بذلت قطر، إلى جانب دول أخرى، جهوداً حثيثة من أجل إحداث تقارب بين فرقاء الصراع في السودان، وساهمت في إعادة إعمار لبنان بعد حرب 2006. ثم إن قطر، التي تتبنى الصرامة بخصوص المواقف العربية وخاصة تجاه فلسطين، تستطيع في الوقت نفسه التحاور مع إسرائيل حيث تبدي حكومة هذا البلد انفتاحاً. إن اختيار الولايات المتحدة سيمثل الاختيار المريح. أما اختيار قطر، فسيمثل اختياراً جريئاً وإشارة قوية من الفيفا" من شأنها أن تجعل كرة القدم في خدمة مكافحة صدام الحضارات. والأكيد أنه في الوقت الذي توجد فيه العلاقات بين العالم الإسلامي والعالم الغربي في قلب كل الإشكاليات الاستراتيجية، تستطيع "الفيفا" أن تقوي وتعزز دورها كلاعب مركزي في العلاقات الدولية.