لدى "الجمهوريين" أسباب عديدة للاحتفال بإنجازاتهم السياسية الجديدة وسبب كبير واحد على الأقل للقلق. فخلال يوم الاقتراع، حطَّم الناخبون أجندة أوباما التي تروم توسيع الفوائد العامة وزيادة المداخيل الضريبية، وتركوا الرئيس ليعيد التقاط وجمع أهدافه بالغراء والشريط اللاصق. وخلال هذه الانتخابات النصفية، تعرَّف "الجمهوريون" من جديد على أصدقاء كانوا مهمشين مثل المستقلين، والمواطنين من كبار السن، والناخبين المتعلمين في الجامعات وفي الأرياف، ومن سكان الضواحي. والأكيد أن الحزب "الجمهوري" سيستفيد من تعزيز صفوفه بزعماء جدد جذابين ومتنوعين، ينتمي بعضهم إلى "حركة الشاي" مثل سيناتور فلوريدا المنتخَب ماركو روبيو. ولعل الأهم من ذلك أن "الجمهوريين" أثبتوا أنهم حزب لا يقتصر نفوذه على ولايات الكونفدرالية (أي الولايات الجنوبية الإحدى عشرة التي انشقت عن الاتحاد ما بين 1861 و1865)، مثلما بدأ حتى بعض المخططين الاستراتيجيين "الجمهوريين" أنفسهم يخشون. فصحيح أن الحزب "الجمهوري" قام بالفعل بتعزيز سيطرته على الجنوب، ولكن التقدم في ولايات مثل أوهايو وبنسلفانيا هو الذي يرفع آمال "الجمهوريين" بشأن موسم رئاسي تنافسي. بيد أنه حتى أعظم الإنجازات هي في الوقت نفسه نوع من الحدود؛ ورغم أن الانتخابات كانت جيدة بالنسبة للحزب "الجمهوري" تاريخياً، فإن ولاية كاليفورنيا ستُخدم من قبل "الديمقراطيْين جيري براون (الحاكم المنتخَب) وباربرا بوكسر (عضو مجلس الشيوخ الجديدة)، ما يمنح "جمهوريي" كاليفورنيا سبباً وجيهاً للشعور باليأس. ثم إن حتى انتصاراً سياسياً كبيراً لا يغيِّر قانوناً معروفاً في السياسة: إن جودة المرشحين مهمة جداً؛ فقد كان من الممكن أن يفوز مرشحون "جمهوريون" جادون من التيار الرئيسي للحزب بعضوية مجلس الشيوخ في ولايتي "ديلاوير" ونيفادا؛ ولكن "كريستين أودونيل" لم تكن جادة؛ و"شارون أنجل" لم تكن من التيار الرئيسي للحزب. وكان ضعف مرشحي مجلس الشيوخ الذين تلقوا تقييماً ضعيفاً من قبل الجمهور السببَ الرئيسي لحقيقة أنه إذا كانت مكاسب "الجمهوريين" في مجلس النواب تاريخية – الأكبر منذ 72 عاماً – فإن مكاسبهم في مجلس الشيوخ لم تكن كذلك. واللافت أن "أودنيل" و"أنجل" كانتا هديتين من السيناتور "جيم ديمينت" و"سارة بالين" إلى حزبهما؛ حيث كان يفترض أن يكون الحماس لحركة "الشاي" والنقاء الإيديولوجي السطحي أفضل وأحسن من سمات قديمة تشترطها "المؤسسة" مثل الإنجاز أو الحكمة أو الأهلية. والواقع أن هذه المقاربة تجاه السياسة متوقعة من ديمينت، الذي اكتسب شهرة وطنية من خلال اتهام زملائه "الجمهوريين" بالتوافق والتنازل؛ ولكن أن تأتي من بالين، فذاك يشكل تهديداً لمستقبل الحزب "الجمهوري". ويشار إلى أنه في الماضي، كانت "بالين" تُجسد الأسلوب الشعبوي لحركة الشاي ولكنها كانت تتبنى في الوقت نفسه إيديولوجيا التيار الرئيسي في الحزب "الجمهوري"، حيث كانت نادراً ما تبتعد عن المذهب الريجاني-نسبة إلى ريجان- بخصوص السياسات الاقتصادية والاجتماعية والخارجية. وقد تكون بالين (المعروفة أيضا بلقب "الدبة الأم") سياسية شرسة، ولكن النقاط والأفكار الواردة في خطاباتها كانت تأتي من مؤسسة "هريتيدج فاونديشن" (مركز البحوث اليميني) وليس من زوايا ودهاليز مخفية ومظلمة في الجناح اليميني. غير أن موسم الانتخابات هذا طعن في هذا التصور بعد أن كشف دعمُ "بالين" لأودنيل عن موقف سياسي سيئ؛ بل إن "بالين" ذهبت أبعد من ذلك حين أيدت أيضا مرشح "حزب الدستور" "توم تانكريدو" لمنصب الحاكم في ولاية كولورادو، والذي يعد من أكثر الشخصيات المثيرة للانقسام في السياسة الأميركية. فقد خلق "تانكريدو" لنفسه سمعة من خلال إذكاء المشاعر المناوئة للمهاجرين وإلقاء القنابل الأيديولوجية. فهو يرى أن الأشخاص الذين صوتوا لأوباما في الانتخابات الرئاسية "لا يستطيعون حتى تهجئة كلمة "انتخابات" أو حتى قولها باللغة الانجليزية"؛ وأن "مجلس لا راسا الوطني" (لمكافحة الفقر والتمييز) يمثل "منظمة عنصرية شبيهة بمنظمة "كو كلاكس كلان" ولكن بدون قلنسوة أو أنشوطة"؛ وأن ميامي "من بلدان العالم الثالث"؛ وأن احتضان البابا بنيدكت للمهاجرين يهدف إلى "تجنيد أعضاء جدد"، في محاولة لـ"التسويق الديني". كما يرى "تانكريدو" أن "الرجل الجالس في البيت الأبيض" يمثل تهديداً أكبر للدستور من تنظيم "القاعدة"، ويقول إنه "إذا كانت زوجته تقول إن كينيا هي وطنه الأصلي، فلماذا لا نعيده إلى هناك؟". والحقيقة أنها واحدة من أحسن نتائج انتخابات 2010 كون "تانكريدو" لم ينجح في الوصول إلى أي منصب مهم؛ إلا أنه من المثير للقلق، بالمقابل، أن بالين تجد "تانكريدو" بمثابة "الرجل المناسب للمهمة". وبالتالي، فإن دعمها له يطرح السؤال بخصوص ما إن كانت لديها أي معايير لتقديم دعمها لشخص أو جهة ما عدا الخطاب المناوئ للحكومة. والأكيد أن حكم بالين السياسي الخاطئ على نحو متزايد، سواء كصانعة قرار سياسي أو كمرشحة في انتخابات 2012، ينبغي أن يثير قلق "الجمهوريين"، لاسيما بعد أن ذهبت مؤخراً إلى قناة "فوكس" الاقتصادية لتصف "جمهوريي" المؤسسة الرسمية بـ"عديمي النزاهة"، وتقول "إن بعض الأشخاص داخل المؤسسة لا تعجبهم حقيقة أنني لن أنسحب إلى نادي الأعضاء القدامى". لقد أصبح هذا الخليط الغريب من راديكالية "حركة الشاي" وتظلمات الحركات الحقوقية النسائية هو أسلوب عمل بالين؛ غير أن ما لا يحبه الكثير من "الجمهوريين"، سواء من المؤسسة الرسمية أو غيرها، هو التالي: يبدو أن الشخصية القيادية لـ"حركة الشاي" باتت لا تكترث على نحو متزايد لمستقبل ومصير الحزب "الجمهوري"، ومتسامحة على نحو متزايد مع التطرف الذي يبعث على القلق. مايكل جرسون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"