تعتبر الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط التي تأسست بعمان سنة 2006 فضاء مهمّاً لتفعيل الدبلوماسية البرلمانية، حيث تساهم بشكل كبير في إبراز القضايا التي تهم منطقة البحر الأبيض المتوسط والتعريف بها دوليّاً، وخاصة أن الجمعية تحظى بصفة مراقب لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد تمكنت الجمعية خلال فترة وجيزة من أن تصبح أحد المخاطبين البرلمانيين الأساسيين على الصعيد المتوسطي بعد أن شكلت هياكلها، وفتحت مقرها ووفرت الآليات الضرورية لعملها. وقد شرفتني الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط بجائزتها السنوية وذلك تقديراً لمساهمتنا المتواضعة في التقريب بين شعوب المتوسط، وكان ذلك موازاة مع الدورة العامة الخامسة للجمعية التي عقدت بالبرلمان المغربي أيام 28 - 30 أكتوبر المنصرم، وقد وصفت حينها الجائزة بأنها عربون اعتراف لدور شباب البحر الأبيض المتوسط في التنمية المستدامة لبناء صرح فضاء متوسطي يسوده السلم والسلام والازدهار. وأعلنتُ أن هذه الجائزة بقدر ما هي تشريف فهي تكليف أو تجديد لتكليف المكرم بما هو منوط به من مسؤولية في مجاله، وبما عليه أن ينهض به في نطاق الرسالة التي يتحملها. وسأحاول في هذه المقالة إشراك القارئ الكريم في قراءتي الشخصية لهذه الجائزة كما عبرت على ذلك في حينه. لقد قلتُ على خطى رئيس الجمعية الأول ورئيس مجلس النواب المغربي عبدالواحد الراضي إن المنطقة المتوسطية التي تعتبر مهد الديانات السماوية التوحيدية، والحضارات الكبرى العربية الإسلامية، والإغريقية الرومانية المسيحية واليهودية، والأنساق الفلسفية الكبرى، والتي كانت لها مساهمة بارزة في تطور الإنسانية على مختلف الأصعدة، تعتبر اليوم من أكثر المناطق في العالم التي تتسم بعدد كبير من الاختلالات لأسباب عدة وعلى رأسها المشكل الفلسطيني الإسرائيلي، فقد شكلت هذه الأزمة السبب المباشر، أو غير المباشر، في العديد من الحروب والتوترات والنزاعات الإقليمية وغيرها التي شهدها القرن العشرون، وما زالت مصدّرا ومصدَراً في القرن الحادي والعشرين لكل مظاهر العنف. ثم أكدت أن نجاح الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط يبقى رهيناً على المدى المتوسط والبعيد بنجاح مشروع "الاتحاد من أجل المتوسط" الذي هو منظومة مؤسساتية جديدة صادقت عليها 43 دولة في اجتماع القمة الذي انعقد بباريس في 13 يوليو 2008، وعين الصواب يقضي بنجاح مشروع الاتحاد من أجل المتوسط لخلق التكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين دول المنطقة. ولكن العامل الإسرائيلي يبقى دائماً مؤثراً في صيرورة المنظومة المؤسساتية على شاكلة مسلسل برشلونة. وقلتُ إن وصول أوباما إلى البيت الأبيض ما زال يعد إيذاناً ببدء مرحلة جديدة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية وبالضبط في الشرق الأوسط، إذ فهم معمرو البيت الأبيض الجدد أن حل القضية الفلسطينية هو مفتاح الحلول في كل منطقة الشرق الأوسط، وأن إصلاح صورة أميركا لدى المسلمين ينطلق من القضية الفلسطينية، وعلى كل المتوسطيين بما في ذلك الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط و"الاتحاد من أجل المتوسط" العمل من أجل التأثير على الإدارة الأميركية الحالية وبالأخص توعية الشعب الأميركي بحقيقة ما يجري في فلسطين المحتلة. فأميركا استعملت أكثر من 40 مرة حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن لوقف كل القرارات المنددة والمنتقدة لإسرائيل، واستشهدتُ بأحد رؤساء الولايات المتحدة السابقين كارتر الذي يعطي في كتابه الأخير (فلسطين: السلم لا التمييز العنصري) جولة الحق وصولته للفلسطينيين ويشرح لنا جهل الشعب الأميركي لحقيقة المشكل الفلسطيني الإسرائيلي على شاكلة جهله بالإسلام: «هناك عاملان أساسيان ساهما في طول أمد العنف والانتكاسات الإقليمية: موافقة البيت الأبيض هذه السنوات الأخيرة على الأفعال غير القانونية لإسرائيل، مدعمة من طرف الكونجرس الأميركي، ولامبالاة القادة الدوليين. هناك في إسرائيل حوارات اجتماعية وإعلامية لا متناهية عن السياسة التي يجب اتباعها في الضفة الغربية، ولكن بسبب قوة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية، نادراً ما تنتقد السياسات الإسرائيلية، كما أن الأميركيين في غالبيتهم يجهلون الأوضاع في المناطق المحتلة. وفي سنة 2003، استغرب الأميركيون وأغضبهم استطلاع رأي أجرته جريدة محترمة (International Herarld Tribue)، حيث استجوبت ما يزيد عن 7500 مواطن من الدول الأوروبية، واعتبروا أن إسرائيل تشكل بحق تهديداً للسلم والأمن العالميين أكثر من كوريا الشمالية، أو إيران أو أفغانستان». ولتحقيق السلم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، دعا الرئيس التاسع والثلاثون للولايات المتحدة الأميركية في نهاية كتابه إلى احترام الشرعية الدولية وتطبيق قرارات مجلس الأمن، ويعني القرار 242 (1967) والقرار 338 (1973)، وبمعنى آخر الرجوع إلى حدود 1967. وبعد دراسته للقضية الفلسطينية في كل الكتاب، ندد كارتر بمنطق التمييز العنصري المطبق الذي يمنع كل تطور اقتصادي للفلسطينيين حيث كدر صفو حياتهم وسلب أرضهم ودمر صروح حضارتهم وتطورهم وعرقل مسيرة تنميتهم. وهذا الكلام هو لرئيس أميركي يعي ما يقول، فأصل جهل الشعب الأميركي لما يقع في الأراضي المحتلة هو السياسة الدعائية التي يقوم بها الإسرائيليون واللوبي اليهودي المساند لتجريم الفلسطينيين ورد كل الانتكاسات المريرة إليهم، فيصبح بذلك الشعب الفلسطيني هو "المتعدي"، هو "المجرم"، وهو "الإرهابي" الذي يوضع له ألف حسبان؛ كما لعبت الإدارات الأميركية المتتالية دوراً كبيراً في تفاقم الوضع الفلسطيني بالدفاع المستميت عن إسرائيل وحمايتها من القرارات الأممية المنددة. وأظن أن دبلوماسية الجمعية البرلمانية المتوسطية وتأثير دول "الاتحاد من أجل المتوسط" مجتمعة وشجاعة الرئيس الأميركي أوباما باستطاعتها أن تقلب الأوضاع إذا تحلى الجميع بالجرأة لحل مشكل الأجيال.