في أكبر تغيير لموازين القوى البرلمانية في واشنطن منذ عام 1948، عاد الحزب "الجمهوري" ليسيطر على مجلس النواب في أكثر انتخابات نصفية كلفة. إنه تغيير طال ستين مقعداً وبخسارة مدوية لحزب أوباما ومناصريه لم يخفف من وطأتها التي تحملها الرئيس شخصياً بسبب تداعيات الأزمة المالية وفشل خطط الإنعاش الاقتصادي، سوى احتفاظ الحزب "الديمقراطي" بالأغلبية في مجلس الشيوخ ونجاح زعيم الأغلبية "هاري ريد" بالاحتفاظ بمقعده الذي كاد يخسره، وكذلك نجاح أو احتفاظ حكام الولايات الكبيرة على الساحلين الأطلسي والهادئ بمناصبهم في نيويورك وكاليفورنيا وواشنطن ونيوجيرسي ووقف زحف الحركة الشعوبية لـ"حزب الشاي"وحلفائهم من الحزب "الجمهوري" الذين يقتاتون على الغضب العشبي وفقدان الأمل بتحسن الأوضاع وتوظيف العداء للحزب الحاكم في البيت الأبيض لتعزيز فرص مرشحيهم وقياداتهم لتغيير المسار وحتى للفوز في انتخابات 2012 الرئاسية. وعادة ما تكون القضايا التي تسيطر على الحملات الانتخابية في انتخابات التجديد النصفي تتمحور حول القضايا الداخلية والاقتصادية والاجتماعية والوظائف والضرائب والتعليم والرعاية الصحية. وتغيب عن النقاش قضايا السياسة الخارجية والأمنية. ولكن الطرود المشبوهة التي تم اكتشافها الأسبوع الماضي، أعادت إلى الواجهة موضوع الأمن مذكراً الأميركيين بأن قضايا الأمن لا يمكن تجاهلها. في الانتخابات الأخيرة كان المزاج العام للناخبين في حالة صعبة بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية وفشل خطط التحفيز الحكومي في تحريك الاقتصاد، والذي بالرغم من نموه خلال الربع الثالث بنسبة 2 في المائة، إلا أن هناك حوالي 15 مليون أميركي عاطل عن العمل وهناك الملايين المتخوفين من فقدان وظائفهم. أتت نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس بمجلسيه (النواب والشيوخ)، وانتخابات حكام الولايات متوقعة وواضحة في نتائجها ورسائلها ودلالاتها. فالنتائج أتت متطابقة إلى حد كبير مع استطلاعات الرأي التي توقعت خسارة مدوية تجاوزت ستين مقعداً لـ"الديمقراطيين" في مجلس النواب ونصف خسارة في مجلس الشيوخ، بخسارة ستة مقاعد لـ"الديمقراطيين". حال أوباما اليوم يُذكر بحال كلينتون عام 1994 بعد ثورة الحزب "الجمهوري" وسيطرته على الكونجرس بعد عامين من انتخابه. ولكن ما يُثخن جراح أوباما وحزبه، هو الوضع الاقتصادي الصعب وسط حصار الحزب "الجمهوري" وأنصارهم من "حزب الشاي"، والذين سيسعون إلى تغيير قواعد اللعبة وتعطيل مشاريع الرئيس وخططه لإفشاله وحرمانه من الفوز بفترة ولاية ثانية عام 2012. على حد قول زعيم الحزب "الجمهوري" في مجلس الشيوخ. ماذا يعني ذلك كله؟ يعني أن أوباما وحزبه أصبحا في ورطة كبيرة وهم اليوم يقاتلون لبث الأمل وتحفيز الناخبين لمنحهم المزيد من الثقة والوقت. فرص فوز أوباما بولاية ثانية أصبحت أكثر صعوبة وتعقيداً خاصة إذا لم يتحقق انتعاش اقتصادي وبقي الناخب الأميركي قلقاً على مستقبله ورخائه خلال العامين الصعبين القادمين. مع تساؤلات مشروعة مثل هل سيكون أوباما رئيساً لفترة واحدة مثل كارتر، أم رئيس لفترتين مثل كلينتون؟ الاقتصاد والإعلام والمال من سيحدد ذلك!