"مجموعة العشرين"التي ستجتمع في العاصمة الكورية الجنوبية "سيئول"، لا تمثل سوى نفسها. فالطريقة التي اختيرت بها تلك الدول، والمؤهلات التي أهلتها لتكون ضمن هذه المجموعة، لا تزال سراً من الأسرار حتى الآن. مع ذلك، فإن القرارات التي ستتخذها تلك المجموعة سوف تؤثر لا شك على العالم بأسره. وكل ما يتمناه المرء أن تكون آثار تلك القرارات جيدة بالنسبة لاقتصادات البلدان الفقيرة كما ستكون كذلك -حتماً- بالنسبة لاقتصادات الدول الغنية. وكما حدث خلال الاجتماعات الأخيرة القليلة للمجموعة، فإن المتوقع أن تحتل الأزمة المالية الكبرى التي يعاني منها العالم حالياً، موقعاً على أجندة القمة القادمة. وكون تلك الأزمة قد تحدّت الحلول التي وضعتها هذه المجموعة، والحلول التي وضعها الآخرون، يثير حتماً سؤالاً هو: هل ستكون قمة سئول القادمة مختلفة عما سبقها من قمم المجموعة المذكورة؟ على الرغم من أن ماليزيا ليست في نفس الطبقة التي تنتمي إليها الدول الأعضاء في المؤسسات المالية الدولية المرموقة مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، و"وول ستريت"، فإن لها تجربة مريرة مع الأزمات النقدية التي تنتج عن، وتستمر بسبب المضاربين، وهي تجربة تمكنت من الخروج منها من خلال تجاهل ما هو تقليدي، وعمل ما هو غير قابل للتفكير فيه. هل تحتاج الأزمة الحالية إلى شيء مثل هذا؟ للإجابة على هذا السؤال لا بد أن نقرر بداية أن أسباب الأزمة الحالية تختلف عن أسباب الأزمة المالية السابقة، التي لم تطل ماليزيا فحسب، بل طالت دول شرق آسيا عامي 1997-1998، وأن نطاق الأزمتين مختلف كذلك. مع ذلك، لا يزال هناك قاسم مشترك بين الأزمتين، هو أنهما معاً من صنع البشر، ونتاج إساءة استخدام المنظومات القائمة من قبل أناس جشعين. ولو نظرنا للمسألة من هذا المنظور، فإن الاستجابة للأزمة الحالية، ربما ستكمن في تبني الحلول ذاتها التي تبنتها دول جنوب شرق آسيا في أزمتها السابقة، خاصة ماليزيا. وما فعلته ماليزيا آنذاك، يتلخص في رفض الاعتقاد القائل بأن الأزمة كانت بسبب سوء الإدارة، والعدوى، وفقدان الثقة في مؤسساتنا، والإصرار بدلاً من ذلك على أنها كانت ناتجة عن التلاعب المقصود بسعر تبادل العملات من قبل المضاربين. ولحل الأزمة الحالية، فإن أول ما يتعين عمله، هو الإقرار بأن الأزمة كانت نتيجة لسوء استخدام "إجرامي" من قبل لاعبين معينين في السوق، وأن الكثير قد فقد بسبب ذلك، وأن أي قدر من طباعة النقود لن يستعيد الثروة الضائعة. وعلى الأغنياء القبول بحقيقة أنهم سيصبحون أفقر مما كانوا عليه، وأن الشيء الذي يتوجب عليهم عمله هو ذات الشيء الذي طالما كانوا ينصحون به الدول التي تمر بأزمات مالية وهو: إغلاق المؤسسات التي خسرت نقودا. والهبوط في المستوى الذي سيتعرض له هؤلاء الذين كانوا في مصاف الأغنياء، سيؤدي حتماً إلى مشكلات اجتماعية ضخمة، ينتج عنها أن الجميع أغنياء وفقراء على حد سواء، سيشعرون بأنهم غير قادرين على المحافظة على مستوى المعيشة الذي كانوا معتادين عليه، وأنه يجب عليهم - الأغنياء على وجه الخصوص - التخلي عن أنماط معيشتهم السابقة. وبعد قبولهم بهذه الحقيقة المرة، يجب على الدول الغنية، الجلوس جنباً إلى جنب مع الدول الفقيرة على طاولة واحدة من أجل إعداد منظومة نقدية عالمية جديدة، ومنظومة مصرفيةً أكثر انفتاحاً، ومنظومة مالية جديدة. ويجب أن تكون المنظومة النقدية الجديدة، مبنية على الذهب، ممثلاً بعملة تستخدم لأغراض التجارة الدولية فقط، على أن يتم تقييم العملات المحلية لجميع الدول وفقاً لقيمتها الحقيقية مقابل الذهب. ويجب عدم السماح للمصارف في هذا النظام سوى بإنتاج كمية محدودة من النقود، وأن يتم تنظيمها بشكل دقيق ومراقبتها عن كثب من قبل الحكومات. فكمية الأموال الأقل التي ستقرضها البنوك سوف تجعل معدل النمو الاقتصادي للدول أبطأ للحيلولة دون وقوع أزمة جديدة مثل الأزمة الحالية بما يرافق ذلك من كوارث اجتماعية. ويجب أن يتم إقراض النقود للمشروعات الحقيقية فقط، أي تلك العاملة في مجال إنتاج السلع والخدمات، وليس للمشروعات الوهمية. كما يجب تصنيف المتاجرة بالعملات على أنها تمثل جريمة مالية والعمل على حظر الممارسة الخطرة المسماة "البيع على المكشوف" Short selling، والتقليل لأقصى قدر ممكن من استخدام الروافع المالية Leverage. بالإضافة الى ذلك يجب إعادة هيكلة صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، بطريقة تجعلهما قابلين للعمل من أجل مصلحة الدول الفقيرة، وتجعلهما ديمقراطيتين فيما يتعلق بتعيين المسؤولين الذين سيقومون بإدارتهما. هذه إجراءات قد تبدو جذرية، ولكنها في الحقيقة تظل الوحيدة التي ستكون قادرة على ضمان عدم تكرار الممارسات الجشعة، وتجنب عدم الشفافية التي اُبتلي بها الاقتصاد العالمي. ومن المؤكد أن هذه الإجراءات ستحتاج إلى قدر من الإرادة السياسة من قبل مجموعة العشرين أكبر مما لديها حالياً، مع الإيمان في ذات الوقت بأن أنصاف الحلول لن تجدي نفعاً. فإن عاجلاً أم آجلاً سيصبح من الواضح للجميع، بما في ذلك قادة دول مجموعة العشرين، إنه عندما يكون العالم أمام" أم الأزمات" فإن"أم الحلول" فقط هي التي ستكون قادرة على التصدي ووضع نهاية لها. مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق ينشر بترتيب خاص مع خدمة"كريستيان ساينس مونيتور"