تتداول بعض الصحف العربية تصريحات منسوبة إلى الجنرال "عاموس يادلين"، حول نشاط جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" خلال السنوات الخمس الماضية. يؤسفني أن بعض الصحف تحتفي بنقل أي تصريحات إسرائيلية واعطائها أماكن بارزة لمجرد ملء الفراغ، دون أدنى محاولة لتحليل هذه التصريحات أو تقديم رؤية نقدية بشأنها، خاصة إذا كانت طبيعة هذه التصريحات هادفة إلى التأثير في الرأي العام العربي. "يادلين" هو الرئيس السابق لـ"أمان" وقد انتهت مدة خدمته منذ أيام وقام بتسليم المنصب إلى الجنرال "أفيق كوخاقي". تقول الأخبار المتداولة إن "يادلين" قد عرض إنجازاته أثناء حفل تسليم المنصب، وأن هذه الإنجازات تغطي مصر وسوريا والسودان ولبنان. إذا فحصت ما يطلق عليه إنجازات ستجد كلاماً عاماً لا يحمل جديداً، بل هو ترديد لأخبار سابقة. على سبيل المثال يُنسب إلى الجنرال قوله إن جهازه عمل باجتهاد في جنوب السودان وأنه نظم قنوات لتوصيل السلاح إلى القوى المهتمة بفصل الجنوب عن الشمال وأنه ساعد هذه القوى على تكوين جهاز استخبارات، وأيضاً فيما يتصل بسوريا يرد ذكر اغتيال عماد مغنية في دمشق باعتباره إنجازاً لـ"يادلين". أما فيما يتعلق بلبنان، فيرد كلام قديم من نوع تشكيل شبكات معلومات تعمل لحساب إسرائيل. وفيما يتصل بإيران يشير الحديث إلى عملية اغتيال لعلماء ذرة داخل إيران، وعمليات رصد ومراقبة لأنشطة البرنامج النووي الإيراني. في وسط كل هذه الأخبار المكررة والمعادة منذ سنوات، والتي لا تحمل جديداً، يرد على لسان الجنرال يادلين كلام هو في اعتقادي مربط الفرس، وهو الهدف الحقيقي الذي يراد الترويج له في أوساط الرأي العام العربي. هذا الكلام يتعلق بمصر، حيث يُنسب للجنرال أنه قال: إن مصر تمثل ساحة كبري لنشاط الاستخبارات الإسرائيلية، وهو نشاط يتطور طبقاً لخطط تم وضعها مع توقيع معاهدة السلام عام 1979، وأنه حدث نجاح في تصعيد الاحتقان الطائفي. في تقديري، أننا أمام محاولة مفضوحة لادعاء نجاح في توقيت قريب للغاية من الذكرى السنوية السابعة والثلاثين من حرب أكتوبر، فمنذ شهر نشرت تسعة محاضر لجلسات الحكومة الأمنية الإسرائيلية برئاسة "جولدا مائير" خلال حرب أكتوبر 1973. ولقد بينا في مقالنا المنشور منذ أسبوعين أن المحضر المنسوب إلى اجتماع تم في الساعة الثامنة وخمس دقائق صباح السادس من أكتوبر هو محضر ملفق. وأن الهدف من هذا التلفيق هو الادعاء بأن خطة الخداع الاستراتيجي العربي لم تنجح، وأن الاستخبارات الإسرائيلية حصلت على معلومة اتخاذ قرار الحرب في فجر السادس من أكتوبر. ما زلت احتفظ بوجهة نظري في أن حرب أكتوبر ما زالت تمثل عقدة كبرى في حياة الاستخبارات الإسرائيلية التي فشلت في توقع الهجوم العربي وأن هناك مخططاً لشن حرب نفسية على المصريين والعرب في زمن السلم. أهداف المخطط واضحة، وهي تشكيك العرب في قدرتهم الذاتية على تحقيق انتصار استخباراتي كبير وإعادة بناء صورة عملاقة للاستخبارات الإسرائيلية ككيان أسطوري قادر على تحريك الأمور داخل مصر وسماع دبيب النملة، وهي صورة تم تدميرها في أكتوبر 1973.