ما زال صدى "منتدى الاتحاد السنوي يرن في الآذان، كونه مناسبة سنوية جميلة وجليلة، حيث نلتقي مع من يكتبون في هذه الصفحات، كي نتلمس طريق الفكر، ونقدح الرأي بالرأي، علنا نصل- كفئة نطلق على أنفسنا لقب المثقفين- إلى مسارات فكرية قد تقود الأمة العربية إلى شيء من التقدم بعد أعوام من التقهقر. في مقال الأسبوع الماضي، ركزت على ما تم تداوله من أفكار حول علاقة العرب بإيران وتركيا. وخلصنا إلى عنوان تم تداوله في ثنايا المنتدى، يلخص تلك العلاقة يتضمن القلق والإعجاب والإهمال. فالقلق يُلبد سماء العلاقات العربية- الإيرانية، والإعجاب بالنموذج التركي وما تحقق عندهم في العقد الأخير، يشير إلى مدرسة بإمكاننا كعرب أن نتتلمذ فيها من جديد. أفريقيا كقارة كانت البعد الآخر في سلسلة علاقة العرب بالجوار، وكان ملخص الحوار يتمثل في إهمال العرب لأفريقيا رغم جوار الكثير من دول العالم العربي لدول أفريقية، وكان من نتاج هذا الإهمال أن شغلت أفريقيا بال الكثير من الدول الكبرى، وأصبحت سوقاً لكل من يبحث عن طاقة المستقبل أو الذهب والألماس. فالصين مثلا ًرغم بعدها عن أفريقيا لها آلاف من الصينيين يعملون اليوم في القارة السمراء، وكذلك الحال بالنسبة للأتراك والأوروبيين ومن بعدهم الأميركان. وهناك متغيرات كثيرة في أفريقيا تجعلها هدفاً للباحثين عن المستقبل، وما الإرهاصات التي تجري هناك من تقسيم للصومال وانهاك له، ومن انفصال محتمل في جنوب السودان، إلا علامات واضحة لطبخة خارجية لأفريقيا، ونحن كعرب نشم روائح تلك الأفكار، لكننا ننتظر كعادتنا النتائج. حمي الوطيس في المنتدى عندما بدأ الحوار حول "الجارة" أميركا، ولعل السؤال المنطقي هو كيف تعد الولايات المتحدة جارة للعرب، وهي تبعد عنهم هذه المسافة الطويلة؟ والجواب أن أميركا اليوم موجودة في كل بيت عربي بالعلم والمعرفة والتكنولوجيا أوالأفلام، وهي من حولنا في قواعدها على الأرض كحال العراق، ومن ثم فلا يستطيع أحد أن يغفل أميركا اليوم بحجة البعد الجغرافي، فهي اللاعب الأساسي في عالم الاقتصاد والسياسة وقد نجح اليهود في استثمار هذا اللاعب عندما جيشوا لذلك اللوبي اليهودي في أميركا وتحقق لهم خلال ذلك العمل كل ما يريدون، وفي المقابل أهمل العرب اللوبي العربي الإسلامي الأميركي، ولم يتم التواصل معه، لذلك تراوح مطالب العرب في أميركا مكانها. ولو استمر إهمالنا كعرب للعرب في الولايات المتحدة، فإننا لا نحلم يوماً بوقفة صادقة من أميركا مع قضايانا. المصيبة الأكبر عندما تم نقاش جوار اسرائيل للعرب، فهي أرغمت العرب على هذا الجوار منذ أكثر من خمسين عاماً، ورد العرب يتراوح ما بين حرب وسلام، فدول عربية سلمت بهذا الواقع، وأخرى ما زالت مترددة على الأقل في ظاهر الأمر. ولكن السؤال المنطقي: بما أن العرب اليوم يعانون حالات التشرذم، فهل من المنطق أن نتنازل عن كل شيء من أجل سلام لا ناقة لنا فيه ولا جمل، أم أن المنطق يقول لعل الانتظار لفترة أطول سيولد في هذه الأمة تغييراً جوهرياً نحقق من خلاله ما نريد؟