إلى جانب إشكالية علاقتنا كعرب مع دول الجوار، هناك تحد جوهري هو مشاريع التفتيت داخل جسد الوطن العربي، والتي من شأنها تجزئة الدول العربية بعد أن فعلت بها معاهدة "سايكس-بيكو" ما فعلت. حان الدور الآن لتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، فبعد العراق جاء دور السودان، بوابة الإسلام والعروبة إلي إفريقيا، وبعد السودان هناك دول عربية عديدة في الانتظار. ويبدو أن التفكيك هذه المرة سيكون في إطار الدولة الواحدة، حيث توجد الأقليات العرقية والدينية والطائفية والمذهبية. وهذا ما تؤيده أطروحات كثيرة تم إنجازها خلال العقود الماضية، وأهمها ما تضمنه كتاب "خنجر إسرائيل"، لمؤلفه "ر. ك. كرانيجيا"، والذي يشير إلى مخططات مستقبلية لتقسيم الدول العربية تقسيماً جديداً بعد تقسيمات "سايكس-بيكو"، ومنها الأفكار التي طرحها بن غوريون في عام 1948 بهدف تمزيق الوحدة الجغرافية والسكانية للأقطار العربية من خلال دعم الأقليات وحثها على الانفصال وإقامة كيانات مستقلة، والاستعانة ببعض الدول لتحقيق هذا الهدف. وكذلك استراتيجية "الأطراف" التي وضعها "ريفون شيلوح"، من وزارة الخارجية الإسرائيلية عام 1953، والداعية إلى تطوير علاقات "إسرائيل" مع دول الجوار العربي، خاصة إيران وتركيا وإثيوبيا، للضغط على الدول العربية وإضعافها من خلال الصراع مع الجوار، وتوثيق الصلة بالأقليات في الوطن العربي. هذا إلى جانب "خريطة" برنارد لويس التي تستهدف إجهاض كل النظم السياسية العربية المستقلة وتحويل المنطقة إلى دويلات طائفية وعرقية صغيرة بلا حكومات فاعلة. وكذلك استراتيجية "يحزفيل درور" التي وضعها في كتابه "استراتيجية عظمى لإسرائيل"، الصادر عام 1990، والتي دعا من خلالها إلى استغلال العناصر التالية لإضعاف الدول العربية وتفتيتها: إثارة الحروب والنزاعات بين الدول العربية، البحث عن وسائل لتدخل القوى العظمى في النزاعات العربية، تفتيت المجتمعات العربية من الداخل عبر دعم الأقليات غير العربية وغير المسلمة. إن القراءة المتأنية لتلك المشاريع والمخططات، وإلقاء نظرة على مجريات الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية طوال العقود الأربعة الماضية، ربما يوضح كل ذلك أن الكثير مما جاء في المشاريع والمخططات المذكورة قد تحقق، ومنه ما يحدث الآن فيما يتعلق بقضية الجنوب السوداني، وإقليم دارفور، والضغوط الدولية ضد السودان، والدور الإسرائيلي في هذا الإطار، والذي تحدث عنه "موشي فرجي" في كتابه "إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان"، وأشارت إليه وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة "ليفني" حيث اعترفت بأن إسرائيل ساعدت في تفجير صراع دارفور عن طريق دعم الحركات المسلحة ومدها بالسلاح، وأكده أيضاً ليبرمان حين قال عن دارفور إنه منجم للطاقة تحتاجه إسرائيل. كما يوضح تصاعد الخطاب الطائفي والمذهبي أن الأمة العربية تمر اليوم بإحدى أخطر مراحل تاريخها، إذ تواجه تهديداً من نوع خاص يمس وجودها الحضاري والإنساني، وإذا لم تتدارك أمرها إزاء ما يواجهها ويمس وجودها اليوم وتعمل لحماية أمنها القومي، فإن المستقبل قد يحمل الكثير من المخاطر التي ربما لا نتصورها حالياً، لكن هناك من يستخدم فكره بنشاط عالٍ لتصور وتخيل المستقبل الذي يريده لنا.