الاتجار بالبشر ينتهك حقاً أساسياً للإنسان في الحياة والحرية والتحرر من العبودية بجميع أشكالها... ذلك ما يؤكد عليه الدكتور حامد سيد محمد؛ خبير القانون الدولي العام، في كتابه "الاتجار في البشر... كجريمة منظمة عابرة للحدود"، حيث يعرف بهذه الظاهرة، ويتقصى تداعياتها، ويقيم الجهود الرامية لمكافحتها. ورغم أن ظهور مصطلح الاتجار بالبشر يعود إلى السنوات القليلة الماضية فقط، فإن جذور هذه الظاهرة تعود إلى عصور ما قبل الميلاد حيث سادت قاعدة "القوي يسيطر على الضعيف"، وانقسم البشر إلى سادة وعبيد وظهرت أبشع صور استغلال الإنسان لأخيه الإنسان. ثم عادت تجارة الرقيق بصورة كبيرة إبان حركة الاستكشاف خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، وكان للإمبراطوريات الأوروبية دور كبير في ازدهار تجارة الرقيق وحركة القنص الآدمي على سواحل القارات والمناطق المكتشفة. ورغم انتشار مبادئ الحرية والمساواة، ورغم ظهور حركات مكافحة العنصرية والاستعباد، فإنه بقيت لهذه الظاهرة جيوب في حياة المجتمع المعاصر وباتت تأخذ أشكالاً جديدة عابرة للحدود في موضوعاتها ونتائجها. وحسب الإحصاءات الدولية فهنا الآن ما بين 13 مليوناً و27 مليون شخص من ضحايا الاتجار بالبشر في 170 دولة. وحسب المؤلف فإن الاتجار بالبشر هو اليوم ثاني أكبر نشاط غير قانوني في العالم بعد تجارة السلاح، إذ تقدر أرباحه بنحو 36 مليار دولار سنوياً، ما يعني وجود سوق للاتجار، ويقتضي انتقال الضحايا من موطنهم الأصلي إلى بلد آخر لاستغلالهم. وكثيراً ما يكون الاستغلال ذا منحى تصاعدي؛ فالطفل الذي يتم الاتجار به في نوع من العمالة مثلاً قد تساء معاملته على نحو أقسى في نوع آخر. ومن الحقائق المفزعة أن ضحايا هذه التجارة غالباً ما يشترون ويباعون مرات عديدة، وقد يباعون لأول مرة من قبل أسرهم، كما أن حكومات كثيرة غير قادرة على حماية النساء والأطفال من التعرض للخطف. ويتطرق المؤلف إلى أنماط الاتجار بالبشر وصوره في ثلاثة أصناف رئيسية هي: الاستغلال الجنسي (البغاء)، العمل الإجباري (السخرة)، تجارة الأعضاء. ويعتبر الصنف الأول، أي البغاء، أكثر أصناف الاتجار بالبشر على مستوى العالم، لما يحققه من أرباح هائلة ولكونه أكثر ديمومة وأقل خطورة من ناحية عواقبه القانونية مقارنة بتجارة السلاح أو تجارة الأعضاء مثلا. وبحسب الإحصائيات التي يوردها الكتاب فإن هذا الصنف من تجارة البشر يقسم مناطق العالم إلى ثلاث مجموعات: مناطق مصدرة؛ وتتركز في دول شرق وجنوب آسيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق وأوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية وإفريقيا. ومناطق مستوردة؛ وهي دول تتمتع بدرجة عالية من الاستقرار السياسي والاقتصادي فضلاً عن تقدمها العلمي، وتتركز في غرب آسيا والشرق الأوسط وغرب أوروبا وشمال أميركا. هذا إلى جانب مناطق الترانزيت، وهي حلقة الوصل بين المناطق المصدرة والمناطق المستوردة. وعن أسباب تفاقم جريمة الاتجار بالبشر، يقول المؤلف إنها مرتبطة بالطرفين، الضحايا الذين يمثلون جانب العرض من ناحية، وأرباب العمل ومستغلو الجنس الذين يمثلون جانب الطلب من ناحية أخرى. وفيما يتعلق بالجانب الأول من أهم العوامل المشجعة: الفقر، والبطالة، والجريمة المنظمة، والتمييز ضد النساء، والعنف ضد المرأة والطفل، والفساد الحكومي، والاضطرابات السياسية، والنزاعات المسلحة، والتقاليد الثقافية للمجتمع العبودي. ويرصد المؤلف آثار الاتجار بالبشر وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فمن انعكاساته الاقتصادية: تشوه هيكل العمالة، واختلالات هيكل الدخل، واضطراب الوعاء الضريبي، فضلاً عن أثره السلبي على ميزان المدفوعات. أما الآثار الاجتماعية فمنها: التفكك الأسري، ودعم الجريمة المنظمة، وتهديد الصحة العامة، وضياع الثروات البشرية. وأخيراً يستعرض الكتاب جهود مكافحة الاتجار بالبشر، لاسيما على المستوى الدولي حيث أُبرمت العديد من الاتفاقيات الدولية في هذا الشأن؛ بدءاً من الاتفاقية الخاصة بمكافحة الاتجار بالرقيق عام 1904، وانتهاءً بمنتدى الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار بالبشر (فيينا 2008). لكن رغم ذلك، لازالت الأرقام والتقديرات الدولية خير شاهد على عدم كفاية الجهود المبذولة والسياسات المطبقة حتى الآن في منع انتشار الاتجار بالبشر. محمد ولد المنى الكتاب: الاتجار في البشر... كجريمة منظمة عابرة للحدود المؤلف: د. حامد سيد محمد الناشر: القومي للإصدارات القانونية تاريخ النشر: 2010