في الخامس من نوفمبر سوف يسافر الرئيس الأميركي أوباما إلى الهند، وإندونيسيا، وكوريا الجنوبية، واليابان، في أول رحلة كبرى في مجال السياسة الخارجية يقوم بها بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس. ومن المنتظر أن يلقى الرئيس الأميركي ترحيباً حاراً في هذه البلدان، رغم التحديات السياسية الصعبة التي يواجهها في الداخل. وتحظى الهند وإندونيسيا بأهمية خاصة في سياق هذه الزيارة. أما كوريا الجنوبية واليابان فإن أوباما سيركز بشكل خاص على طمأنة قيادتي هذين الحليفين المقربين للولايات المتحدة، بأن بلاده ستظل متنبهة لاحتياجاتهما الأمنية، وخصوصاً تلك المتعلقة بمواجهة التحديات التي تمثلها كوريا الشمالية. في السنوات الأخيرة أصبحت الهند صديقاً رئيسياً، وحليفاً مهماً للولايات المتحدة على الرغم من أنها لم تكن دائماً كذلك. ففي السنوات الأولى التي تلت استقلال الهند، تبنى قادتها، وعلى وجه الخصوص "جواهر لال نهرو"، سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز في العلاقة مع القوتين الكبريين في ذلك الوقت وهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. وعلى النقيض من باكستان، لم تكن الهند راغبة في الانضمام إلى جانب دون الآخر أثناء الحرب الباردة والتي كانت في أوجها حينذاك، وهو الموقف الذي جوبه بنقد قاس من جانب "جون فوستر دالاس" وزير خارجية أميركا في عهد الرئيس أيزنهاور، حيث وصف الحياد الإيجابي صراحة بأنه "تعبير عن موقف لا أخلاقي". وحدث تحسن قصير الأمد في العلاقات بين الدولتين عندما خاضت الهند حرباً حدودية مع الصين عام 1962 تعرضت فيها لهزيمة مهينة. وفي ذلك الوقت أصدر الرئيس كيندي تفويضاً بتزويد الهند بكميات محدودة من الأسلحة والمعدات العسكرية. لكن العداء المتبادل بين الدولتين سرعان ما تجدد، وذلك عندما تحولت الهند إلى الاتحاد السوفييتي للحصول على احتياجاتها الرئيسية من الأسلحة في الوقت الذي استمرت فيه الولايات المتحدة في تزويد غريمتها باكستان بالسلاح. وخلال ثمانينيات القرن الماضي، فشلت الجهود المبذولة لتحسين العلاقات بين البلدين بسبب الهواجس الأميركية بشأن برنامج الهند النووي، ورفضها التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي. ولم يكن هذا هو السبب الوحيد لفشل تلك الجهود حيث كان هناك نوع من الإحباط الشديد من جانب رجال الأعمال الأميركيين بسبب الصعوبات الكبيرة التي كانوا يواجهونها في إجراء معاملات تجارية مع الهند، وعدم قدرتهم بسبب ذلك على دخول السوق الهندية الواسعة. ومما فاقم تلك الصعوبات، اتباع الحكومة الهندية في ذلك الوقت لسياسات حمائية متشدده جعلت من الصعوبة بالنسبة لأي شركة أجنبية أن تمارس أنشطة تجارية في الهند. لكن الذي حدث في عام 1999، هو أن القيادة الهندية قررت إجراء تغييرات جذرية لإصلاح اقتصادها الراكد، وهو ما أدى إلى تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً بعد سقوط الاتحاد السوفييتي الذي حرم الهند من مصدرها الرئيسي في الحصول على الأسلحة. واستمر التحسن على الجبهة الاقتصادية خلال إدارة الرئيس كلنتون، لكن الاختراق الأكبر تم أثناء إدارة الرئيس جورج دبليو بوش الذي لم يكتف بالتخلي عن معارضة برنامج الأسلحة النووية الهندي، بل وافق أيضاً على إمضاء صفقة تعاون معها في المجال النووي المدني، وهو ما أتاح الفرصة لنيودلهي كي تحصل على التقنيات النووية الأميركية التجارية. وعلى الرغم من أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر دفعت الولايات المتحدة لتعزيز علاقاتها مجدداً مع باكستان -وهو ما أقلق الهند إلى حد كبير- فإن العلاقات الهندية الأميركية واصلت تحسنها بشكل عام، وعلى وجه الخصوص في الجوانب الاقتصادية، وهو ما أتاح الفرصة لقطاع الأعمال في البلدين لتحقيق العديد من الفوائد والمزايا. وفي نفس الوقت ضمن وجود جالية هندية كبيرة من رجال الأعمال في الولايات المتحدة، الاستماع إلى أي هموم أو شكاوى هندية، لاسيما من قبل الكونجرس الذي يعلم أعضاؤه مدى أهمية العلاقات التجارية بين بلادهم والهند. لا شك أن أوباما سوف يركز على كافة القواسم المشتركة مع الهند خلال تلك الزيارة، وأهمها أن الدولتين تمثلان أكبر ديمقراطيتين في العالم. وليس من المرجح أن تشهد الزيارة مناقشات واسعة بشأن تنامي القوة الصينية، وهو ما يرجع إلى أن أياً من الطرفين لا يرغب في أن يتم النظر إليه على أنه يتحيز لصالح الطرف الآخر في مواجهة الصين، كما أن الهند لا ترغب أن تنظر الدول الأخرى إليها على أنها تستغل تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة في محاولة معادلة النفوذ الصيني. الهم المشترك الآخر بين الدولتين هو ذلك المتعلق بالإرهاب. وهنا سيحرص أوباما على مناقشة الموضوع مع القيادة الهندية وعلى إبداء أسفه لسقوط عدد كبير من الضحايا الهنود بسبب الغارة الإرهابية على مومباي عام 2008. بعد ذلك سوف يذهب الرئيس الأميركي إلى إندونيسيا التي عاش فيها عدة سنوات مع والدته وزوجها إبان طفولته، والتي يتوقع أن يلقى فيها ترحيباً باعتباره الابن الذي عاد بعد طول غياب لحضن أمه. وحسب برنامج الزيارة فإن أوباما سوف يزور مسجداً من أكبر مساجد تلك الدولة التي تعتبر أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان. ولا شك أنه سيلقى ترحيباً هناك، لكنه سيضطر في نفس الوقت لبذل جهد كبير لإزالة الشكوك التي تنتاب منتقديه في الولايات المتحدة حول ديانته. وإندونيسيا كانت من ضمن الدول التي تبنت سياسة في غاية الصلابة في التعامل مع الإرهاب، وهي نقطة سوف يثني عليها أوباما كثيراً، كما سيثني أيضاً على الطبيعة الديمقراطية لنظام الحكم في هذا البلد. وقد تشهد الزيارة بعض المفاجآت، لكن هذا ليس بالأمر غير المعتاد في مثل هذه الأحوال، كما أنه لن يحول دون القول بأن سيناريو الزيارة كان مكتوباً بشكل جيد. ومن المتوقع أيضاً أن يقدّم أوباما خلال تلك الزيارة تأكيدات من أجل طمأنة الدول الديمقراطية في آسيا، التي تشعر -شأنها في ذلك شأن دول أخرى- بالقلق من التنامي المستمر في نفوذ وقوة العملاق الصيني، كما تشعر بالقلق من احتمال قيام الولايات المتحدة بتقليص تواجدها في تلك المنطقة.