سيؤدي تطبيق قواعد فيدرالية أكثر صرامة العام المقبل، إلى دفع شركات الكهرباء في الولايات المتحدة لإغلاق محطة واحدة على الأقل من بين كل خمس من محطاتها التي تعتمد على طاقة الفحم، وعلى وجه الخصوص تلك التي مضى على إنشائها أكثر من 40 عاماً، والتي تفتقر إلى التقنيات اللازمة لضبط الانبعاثات الغازية... كما جاء في تحليل نشر مؤخراً في مجلة "وول ستريت جورنال" الأميركية المعروفة. والقواعد التي تتم صياغتها حالياً من قبل "وكالة الحماية البيئية" (EPA)، والتي ستدخل حيز التنفيذ الفعلي شهر أبريل القادم، تماشياً مع اشتراطات "قانون الهواء النظيف"، تأتي في إطار عملية بدأت منذ فترة طويلة، تهدف لتخفيض نسبة التلوث الناتجة عن الزئبق، والأمطار الحمضية، والدخان المنبعث من مداخن المصانع. الشيء المدهش في الموضوع هو الحد الذي يمكن أن تذهب إليه القواعد الجديدة لـ(EPA) في دفع شركات الكهرباء خلال السنوات الخمس أو الست المقبلة، لتسريع عملية استبدال محطات الطاقة القديمة العاملة بطاقة الفحم، بدلاً من محاولة إنفاق مزيد من الأموال من أجل تحديث الضوابط المتعلقة بالحد من الانبعاثات الغازية لتلك المحطات، كما جاء في دراسة تمت بتكليف من بنك "كريدي سويس" الاستثماري في" وول ستريت". وجاء في تلك الدراسة التي نشرت الشهر الماضي أن "التداعيات التي سترتبها القواعد الخاصة لوكالة حماية البيئة الأميركية، على الشركات العاملة في مجال الطاقة على وجه الخصوص، مثيرة للانتباه، خصوصاً إذا ما عرفنا أن بين 15 و30 في المئة من المصانع العاملة بطاقة الفحم في الولايات المتحدة، مهددة بالتوقف أو تحتاج على الأقل إلى زيادة كبيرة في الإنفاق كي تظل قادرة على الاستمرار في العمل". وتضيف الدراسة أن "قواعد وكالة حماية البيئة سوف تؤدي إلى تسريع العملية الحتمية الرامية إلى تقليص سوق الفحم خلال خمس سنوات قادمة، ستتراجع بعدها هذه المادة التي شكلت عنصر الطاقة الرخيص اللازم لإنتاج الكهرباء في الولايات المتحدة لعقود طويلة، إلى المقعد الخلفي تاركةً مقود القيادة للغاز الطبيعي". ويدرك مديرو شركات الكهرباء هذا السيناريو جيداً، "على العكس من الجمهور العادي الذي قد لا يدرك عنه شيئاً"، كما يقول "جيم أوين" المتحدث باسم معهد"إديسون إليكتريك"، وهو مجموعة تجارية تمثل مرافق الكهرباء المملوكة من قبل مستثمرين والتي توفر، حسب الإحصائيات الرسمية، 70 في المئة من الطاقة الكهربائية في الولايات المتحدة بأسرها. ويضيف"أوين" أنه "ليس هناك شك كبير في أن المصانع العاملة بطاقة الفحم سوف تتعرض للمزيد من الضغط بفعل القواعد والأنظمة الفيدرالية التي يحتمل صدورها خلال السنوات الخمس التالية، بينما سيستأثر الغاز الطبيعي بشريحة أوسع من قطاع الطاقة". وتشير التقارير إلى أن الاستنتاجات التي خلصت إليها تلك الدراسة قد رفعت من الروح المعنوية لمسؤولي المنظمات العاملة في مجال حماية البيئة، وإن كانوا قد أعربوا في الوقت نفسه عن مخاوفهم من أن يؤدي تركيز التقرير على إغلاقات المصانع العاملة بطاقة الفحم إلى دفع بعض أعضاء الكونجرس لتكثيف هجومهم على اللوائح الجديدة لـ(EPA). وحول هذه النقطة يتوقع "فرانك أودونيل"، رئيس مجموعة "كلين آير ووتش" العاملة في مجال حماية البيئة والتي تتخذ من واشنطن مقراً لها، "أن يشن الكونجرس الجديد بعد انتخابات التجديد النصفي، هجوماً واسع النطاق على كافة اللوائح التي أصدرتها EPA وليس فقط على تلك التي تسعى لتحقيق خفض في انبعاثات الغاز". ومن المعروف أن التغييرات التي تطالب دراسة "كريدي سويس" بإدخالها على لوائح EPA، إذا ما تمت الاستجابة لها بالفعل، تستهدف إزالة عشرات الأطنان من ملوثات الجو، خصوصاً الملوثات التي يقول خبراء الصحة إنها مسؤولة بشكل أساسي عن مشكلات التنفس التي يعاني منها الأميركيون، والمسؤولة كذلك عن آلاف حالات الموت المبكر. والدراسة المشار إليها تستهدف تخفيض ما بين 157 مليون طن و324 مليون طن من كميات الفحم التي يتم إحراقها من أجل توليد الطاقة اللازمة لإدارة المصانع ومحطات الطاقة الكهربائية. وإذا ما تم ذلك بالفعل، فسيؤدي لخفض حاد في معدلات الانبعاثات الغازية في الجو، كما جاء في الدراسة، وهو ما يعترض عليه "جون طومسون"، مدير مشروع التحول عن استخدام الفحم، التابع لـ"قوة واجب الهواء النظيف"، وهي مجموعة بيئية مقرها بوسطن، والذي يشرح وجهة نظره بالقول: "رأْيُنا في هذا الشأن هو أن اللوائح والأنظمة المزمع تطبيقها من قبل EPA يمكن أن تؤدي إلى تأثير هائل وتحسينات في مجال تقليص انبعاث الزئبق، وأكسيد النتروجين، وثاني أوكسيد الكبريت، لكن لن يكون لها تأثير كبير على الانبعاثات الكربونية من البيوت الزجاجية". ولمزيد من التوضيح يضيف طومسون: "وإذا ما أخذنا في اعتبارنا أن التوربينات التي تعمل بالغاز الطبيعي، والتي تولد هي الأخرى انبعاثات كربونية، هي التي ستحل محل التوربينات الحالية الموجودة في المصانع الأقدم، فسندرك أن المنافع التي يمكن تحقيقها في مجال المناخ من خلال إغلاق المصانع ومحطات الكهرباء العاملة بالفحم، سوف تكون ضئيلة للغاية". ------- مارك كلايتون كاتب أميركي متخصص في شؤون الطاقة ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"