خلال فترات غير متباعدة، قام الزعيم الكوري الشمالي بزيارتين متتاليتين إلى الصين. وبالنظر إلى ما يتردد عن اعتلال صحته، ومابدا من تقديم أحد أبنائه كوريث له من خلال العرض العسكري الذي أقيم خلال الأسبوع الأول من أكتوبر الماضي، فإن للزيارتين دلالتين مهمتين بالنسبة للأوضاع السياسية والاقتصادية المستقبلية لكوريا الشمالية، ولمستقبل نظام الحكم فيها، ومن هي الشخصية التي ستتولى السلطة في حالة رحيل كيم جونج إيل؟ المهم في الأمر أن الصين تبدو وكأنها يهمها أن تحدث نقلة سلمية سلسة للقيادة في بيونج يانج، وألا يتعرض الوضع لتغيرات جذرية مفاجئة تدخل البلاد في دوامة من الفوضى السياسية وعدم الاستقرار، الذي ترى الصين أنه قد يؤثر على مصالحها. الصين تنتهج سياسة هادئة، ولا تطلق الكثير من الأقوال حول ما تفعله لتقوية الأوضاع القائمة في كوريا الشمالية، ووسيلتها إلى ذلك هي الدعم الاقتصادي المنهجي والمبرمج وفقاً للمصالح الحيوية لدى كوريا الشمالية. وضمن هذه المنهجية، وضعت الصين خطة استثمار كبرى في محاولة منها لدعم اقتصاد كوريا الشمالية التي تواجه عزلاً دولياً تقوده الولايات المتحدة، وتتعرض للعديد من العقوبات بسبب برنامج تسلحها النووي. تقوم الصين حالياً بمساعدة كوريا الشمالية للحصول على عشرات مليارات الدولارات في صيغ استثمارات ومنح وقروض، تقدمها لها بنوك صينية وعالمية غير غربية. وتقوم بإدارة معظم تلك الاستثمارات مجموعة كورية شمالية هي "تريد تيم تايبونج العالمية الاستثمارية"، التي عقدت صفقات ضخمة بهذا الشأن في الربع الأول من عام 2010 حظيت فيها رؤوس الأموال الصينية بنصيب الأسد بما نسبته 60 في المئة منها. وتندرج معظم تلك الاستثمارات ضمن إطار مجموعة من آليات التعويض الاقتصادي الذي تطالب به بيونج يانج للاستمرار في التفاوض حول نزع أسلحتها النووية التي صارت بالفعل تمتلك عدداً منها والصواريخ التي يمكنها حملها إلى أهدافها. ويعود أصل الموضوع إلى أن المجتمع الدولي يحاول إقناع كوريا الشمالية بالعودة إلى الحوار بشأن نزع أسلحتها النووية الذي بدأ في أغسطس 2003، وتشارك فيه ست دول هي، الكوريتان والصين والولايات المتحدة وروسيا واليابان. هذه المفاوضات تشترط كوريا الشمالية لاستئنافها توقيع معاهدة سلام مع أميركا. والعقبة التي تقف أمام نجاح المفاوضات أن كوريا الشمالية ترغب في أن يتم التعامل معها باحترام وبوضع تكون فيه الند بالند، وترى أنه لن يتحقق لها ذلك إلا بعد أن تعترف بها الولايات المتحدة وتقوم بالتوقيع معها على معاهدة سلام أولاً. ويطرح المسؤولون الكوريون الشماليون فكرة أن تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة يعتبر ضرورة قصوى قبل إقدامهم على أي شيء آخر. ويلاحظ أن كوريا الشمالية صامدة في موقفها المتشدد من استمرار المفاوضات، ويعطيها الدعم الصيني السياسي والاقتصادي دفعاً معنوياً يجعلها ليست في عجلة من أمرها، في الوقت نفسه الذي تطور فيه إمكانياتها النووية وسبل إيصالها إلى أهدافها عن طريق إجراء المزيد من التجارب. وعليه فإن الوضع الكوري الشمالي في علاقتها بالصين يعتبر ذا متلازمات جوهرية على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ولا يمكن لكوريا الشمالية أن تتخذ أية خطوات جوهرية على صعيد سياستها المختلفة إلا بمباركة الصين. وفي الوقت نفسه، لا يبدو أن الصين راغبة في التخلي عن كوريا الشمالية، لأنها الطرف الوحيد الذي يعلم مدى خطورة تركها وحيدة تهيم على وجهها في هذا العالم، وهي تمتلك ترسانة من الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية، التي لو تم استخدامها بطريقة خاطئة ستجر العالم إلى كارثة محققة.