انتظر العرب أشهراً طويلة يترقبون ما سيفعله السياسيون العراقيون في تشكيل حكومتهم الجديدة بعد الانتخابات غير الحاسمة التي جرت في مارس الماضي ومرت الأشهر دون تقدم حقيقي يذكر في هذا الوضع، الذي لا يؤثر على العراق فحسب بل على المنطقة بأسرها. الرفض المسبق للمبادرة السعودية الذي صحبه توتر غير مفهوم من هذه المبادرة يجعل العرب كلهم مستغربين مما يحدث في العراق.. فصحيح أن هناك مبادرة كردية قدمها مسعود البرزاني وطاولته المستديرة للحوار صارت جاهزة لإنهاء هذه الأزمة المزمنة ويفترض أن يجلس حولها الفرقاء السياسيون خلال الأيام المقبلة ولا أحد يعترض عليها بل على العكس لاقت كل الترحيب العربي وتمنى الجميع أن تنجح وينتهي الخلاف وتدور عجلة الحياة الطبيعية في العراق.. إلا أن مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لا تتعارض مع هذه المبادرة حتى أن توقيتها يأتي لاحقاً لهذه المبادرة.. أي أن اتفاق العراقيين من خلال المبادرة الكردية يعني عدم الحاجة إلى اجتماع الرياض.. لذا فإن الاعتراض والتحفظ والرفض والتشكيك العراقي لم يكن لها أي مبرر، إلا إذا كانت قد جاءت من الخارج لتمنع أية محاولة سعودية أو حتى عربية لإنهاء الخلاف في العراق. فبلا شك أن هناك مستفيدين مما يحدث في العراق من عدم استقرار سياسي. لا شك أن المبادرة السعودية تأتي من منطلق عربي ومن منطلق الإحساس بالمسؤولية تجاه هذا البلد الجريح الذي يحتاج إلى المساعدة والدعم في جميع الأوقات ومن الجميع. في مرحلة ما ترك العرب العراقيين يديرون أمورهم بأنفسهم لان العراقيين أرادوا ذلك.. والغريب أنه بعد هذا الموقف العربي المنبثق من الرغبة العراقية لام بعض العراقيين العرب لأنهم تركوهم بمفردهم وبذلك برر بعضهم لجوءه إلى أطراف غير عربية.. الدول العربية والخليجية بشكل خاص يهمها استقرار العراق - بعكس دول أخرى يهمها عدم استقراره- لذا فإن العرب حاولوا ويحاولوا مساعدة العراق بالطريقة التي لا تشعر العراقيين بأي تدخل في شؤونهم الداخلية. وفي المقابل على العراقيين أن لا يضيعوا هذه الفرصة العربية التي قد لا تتكرر. فالمبادرة السعودية قد تكون المخرج الحقيقي لحالة الشلل السياسي الذي يعيشه العراق. والملك عبدالله قد يكون أقدر الأشخاص على لم البيت العراقي لما يتمتع به من حكمة وإنصاف ورغبة حقيقية في لم الشمل العراقي وإنهاء الخلافات بين جميع الأطياف السياسية والدينية والمذهبية دون تحيز لطرف على حساب الآخر.. فمصلحة العراق فوق كل شيء وقبل أي شيء.. أما قبول "البعض" باستمرار الوضع على ما هو عليه فقد يؤدي إلى أمور قد لا يتوقعها أحد.. حتى أكثر المتشائمين. المعترضون والمشككون من العراقيين كان عليهم أن ينظروا إلى الجوانب الإيجابية من المبادرة السعودية، فأهم ما يميزها و يجعلها ليست محل خلاف أو جدال من أحد هو أنها جاءت من دون شروط مسبقة وجاءت أخوية وبسيطة حتى تستطيع أن تحقق أهدافها، وهذا ما كان يفترض أن يشجع العراقيين على التجاوب معها بشكل إيجابي أكبر وأفضل مما رأيناه وخصوصاً من حزب المالكي، الذي شكك في هذه المبادرة حتى قبل الإطلاع على تفاصيلها وخلفياتها! قبول بعض الأطياف السياسية بالوضع الحالي في العراق لا يخدم العراق ولا العراقيين ولا مستقبل هذا البلد، ولا الأوضاع في المنطقة، لذا فإن التأخر في التوصل إلى حل جذري للمشكلات التي يعاني منها العراق لا يمكن أن يبقى دون تدخل خارجي واضح وسليم. إذاً قول البعض إن المبادرة السعودية "جاءت في غير وقتها" أو أنها "جاءت متأخرة"، وبالتالي عدم قبولها أو ورفضها أو التشكيك فيها، هذا قول في غير محله، وهي كلمة حق يراد بها باطل، فالمبادرة جاءت في وقتها تماماً فعندما فشل العراقيون في التوصل إلى حل لتشكيل الحكومة، وعندما لم تتمكن الولايات المتحدة من مساعدة العراقيين في تشكيل الحكومة وبعدما فشلت إيران في تقديم حل يرضي جميع الأطراف العراقية ولا يفضل فئة على الأخرى، جاء الحل السعودي تحت مظلة جامعة الدول العربية.. فلماذا يدعي "البعض" إن المبادرة جاءت في غير وقتها؟ فقد يكون حل المشكلة حلاً عربياً وكثيراً ما أكدت الحلول العربية أنها الأكثر عملية والأكثر قابلية للتنفيذ. بعض الساسة العراقيين طائفيون ومذهبيون، ويفترض أن يبتعدوا عن هذا المجال الحساس الذي يمس بشكل مباشر حياة المواطنين، فرجل السياسة يفترض أن لا يبني قراراته وتوجهاته وبرامجه الموجه للمواطنين على أسس طائفية أو دينية أو حزبية أو غيرها وإنما على أساس شيء واحد وهو "المواطَنة" وحب الوطن والولاء له حتى يستطيع أن يتخذ القرارات التي تخدم وطنه لا طائفته. وحتى يستطيع أن يتجاوب مع المبادرات الخارجية بشكل سلس دون وضع الاعتبارات الطائفية والحزبية والأيديولوجية أمام عينيه لتحركه بالطريقة التي لا تخدم الوطن والمواطن.