إن أي إطلالة ولو عجلى على الآيات القرآنية التي تتناول طريقة تعامل العرب مع المرأة، تبين طبيعة الاضطهاد الذي كان يمارسه العرب مع المرأة، تأمل مثلاً: "لا يحلّ لكم أن ترثوا النساء كرهاً"، ولا تنس النهي عن العضل وعن الوأد، وسواها من الآيات التي تجرّم التعامل العنيف مع المرأة، لهذا كان القرآن بكل جدارة أكبر نصير للمرأة العربية والمسلمة حررها من العبودية الجائرة والطغيان الاجتماعي الذي دمّر كينونتها. لكن ما أكّده القرآن لم يطبقه المسلمون والعرب بحذافيره لهذا لا تزال المرأة تُضطهد وتُظلم، والنبي عليه الصلاة والسلام كأنه استشرف هذا الخطر حينما ردد وهو في آخر لحظات حياته: "خيركم خيركم لأهله"، كانت تلك الجملة من آخر رسائله لأمته. لكنني أستبشر بأي محاولة لتحرير المرأة من الطغيان الاجتماعي، وقد اطلعتُ على كتاب جميل للنهضوي والعالم التونسي، الطاهر الحداد، وهو من روّاد التأسيس لفكرة ربط الدين بالمقاصد، ومن العلماء الذين شكلت المرأة جزءاً رئيسياً من مؤلفاتهم وخطاباتهم، عنوان كتابه: "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" يبدأ الكتاب بالعبارات التالية: "المرأة أمّ الإنسان، تحمله في بطنها، وبين أحضانها، وترضعه من لبنها، تغذّيه من دمها وقلبها، وهي الزوج الأليف تشبع جوع نفسه، وتذهب وحشة انفراده، وتبذل من صحتها وراحة قلبها لتحقيق حاجاته وتذليل العقبات أمامه، وتغمره بعواطفها فتخفف عليه من وقع المصائب والأحزان". هذا الوصف الجميل والرومانسي للمرأة من عالمٍ جليل مثل الطاهر الحداد جديد على الخطاب الإسلامي، لأن الخطاب الديني التقليدي لا يكفّ عن لمز المرأة، فهي ضعيفة النفس، وسهلة الإغواء ولا تملك قرارها بنفسها، بل هي موضع الفتنة، والمربوطة بسطوة رجل أو رجال، حتى هضمت حقوقها واعتبرت من سقط المتاع، لم تتطور معاملة المرأة لكأنهم يمارسون نفس جاهلية العرب حينما كانوا يرثون المرأة كما يرثون الشاة والبعير والناقة، أو على حد تعبير الحجاج بن يوسف ذلك الطاغية حين قال:"المرأة يستمتع بها ولا يُستمعُ لها". لكن الطاهر الحداد ينقلب على سلوكيات العرب والمسلمين التي ورثوها من العادات والتقاليد القبلية والاجتماعية، ويربط تاريخ نهوض الإسلام بدور المرأة المحوري فيقول: "لو تأملنا موقف المرأة مع المسلم العربي الذي جاهد لفتح الممالك وانتصر، لرأينا أنها تبعث في صدره روحاً جبّاراً هو سر نجاح تلك المدنية فوق ما كان لها من معارف علوم الدين وفنون الأدب نظماً ونثراً". المرأة ليست هامشاً على متن المجتمعات كما يريد لها المتشددون أن تكون، بل هي جزء من المتن، فهي أم الرجال، لكن ما الأصل الذي بنيت عليه هذه الرؤية المتطرفة التي تزهق حقوق المرأة؟ يجيب الطاهر الحداد:"لو نرجع إلى أصل ميولنا في إنكار نهوض المرأة لوجدنا أنه منحصر في أننا لا نعتبرها من عامة وجوه الحياة إلا وعاءً لفروجنا غير أننا مهما بالغنا في إنكار ما للمرأة من حق، وما لنا في نهوضنا من نعمة شاملة فإنها ذاهبة في تيار التطور الحديث بقوة لا تملك هي ولا نحن لها رداً ... وبدلاً من هذا العناد الذي لا ينفع شيئاً كان يجب علينا أن نتعاون جميعاً على إنقاذ حياتنا بوضع أصولٍ كاملة لنهوض المرأة الذي هو نهوضنا جميعاً، وبذلك نكون قد طهّرنا الماء الصالح للحياة قبل أن يتحول إلى عفونةٍ تهدمها وتبيدها". هذا الكتاب ألفه الطاهر الحداد سنة 1930 يعني مضى عليه نحواً من قرن، ولكن كل الأفكار التي يدعو إليها في كتابه لا تزال حلماً من أحلام المرأة العربية، فمن هو المتسبب في تعثر مشروع نهضة المرأة يا ترى؟ تركي الدخيل WWW.TURKID.NET