انعقد بمدينة مراكش الحمراء أيام 26 و 28 أكتوبر المنصرم المنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمشاركة جمع غفير من المختصين من بينهم رؤساء دول، ورجال أعمال، ومسؤولون حكوميون، وممثلو المجتمع المدني والإعلامي من اثنتين وستين دولة. وطرحت بشكل ملح في المنتدى قضايا التفكير في استراتيجيات للنمو والتنمية والتربية والتعليم والأمن الغذائي والمائي وترشيد استهلاك الطاقة وتنويع مصادرها. وقد أجاد المشاركون دراسة مواضيع شتى، وتشخيص مواطن الخلل في اقتصادات شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وإعطاء الحلول الناجعة لبناء اقتصاد متين وأسرة مجتمعية مشتركة تخرج المنطقة إلى بر الأمان، بعيداً عن النقاشات المملة التي غالباً ما تكون رتيبة في الإجمال، مجددة في النادر، مبدعة في الأندر. وأوحت التوقعات والتقارير التي أعدتها بعض البنوك والمنظمات الدولية ووزعت على المشاركين بوضع مشرق للدول العربية إذا هي استطاعت أن تواجه بعض التحديات في عالم يتغير ويزداد سرعة يوماً بعد يوم. فأكثر من 56 في المئة من احتياطي العالم من الغاز والنفط موجود في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، و27 مليار دولار هي قيمة الاستثمارات في البنية التحتية في المنطقتين في سنة 2008، و200 مليار دولار هي قيمة حجم المشاريع في قطاع الطاقة النفطية التي يمكن تحقيقها في دول مجلس التعاون الخليجي، و15 في المئة هي نسبة الزيادة السنوية لتدفق الأموال إلى منطقة غرب إفريقيا بفضل مساهمة المؤسسات المالية المغاربية، و100 مليار دولار هو حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي والهند في سنة 2009. كما أن المؤسسات الدولية بما فيها صندوق النقد الدولي تتوقع أن يصل النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في أواخر هذه السنة إلى نحو 4.1 في المئة مقارنة بـ 2 في المئة في السنة الماضية. وبقي تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على الدول العربية نسبيّاً بالمقارنة مع مناطق أخرى في العالم، وذلك بسبب الاندماج المحدود للدول العربية في الاقتصاد العالمي من حيث التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي المباشر، وضعف درجات الارتباط بين الأسواق والمصارف والمؤسسات المالية العربية ببقية المصارف والأسواق المالية العالمية، وكذلك بسبب الأهمية النسبية المتواضعة لقطاع الخدمات المالية والائتمان والأدوات الاستثمارية المتطورة في المحافظ، وأيضاً ضعف مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر في الناتج وفي إجمالي الاستثمار في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وكما يشير إلى ذلك رئيس مجلس إدارة الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، فإن العوامل المذكورة تبدو ظاهريّاً سبباً من أسباب هذا التأثير المحدود للأزمة الاقتصادية على الدول العربية، ولكن هذا لا ينبغي أن يبعدها عن سياسات التحرير والانفتاح على العالم، أو أن يؤخذ كمبرر لمواصلة النهج الذي اتبعته معظم الدول العربية في السابق والمبني على نموذج تنموي تهيمن عليه الدولة، وخاصة أن هذا النموذج أثبت محدوديته على مواجهة عدة تحديات تنموية مهمة مثل التشغيل، وإرساء مجتمع المعرفة، والنهوض برأس المال البشري، والقضاء على الفقر بشتى مظاهره. فعلى رغم إمكانية استيعاب الدول العربية لآثار الأزمة العالمية، فإن هذه الأزمة زادت من صعوبة التحديات التنموية القائمة التي يمكن لهذه الدول التغلب عليها من خلال خططها وبرامجها الإنمائية والإصلاحية. فإدارة الخروج من الوضع الحالي الذي خلفته تلك الأزمة، يجب أن تكون في إطار مواجهة التحديات التنموية بعيدة المدى لدول المنطقة. ولعل من أبرز هذه التحديات تحقيق معدلات نمو عالية ومستديمة تخول الدول العربية توفير فرص عمل كافية لمقابلة النمو الهائل لقوة العمل، وتسهم في القضاء على البطالة التي بلغ متوسطها حوالي 14 في المئة، وهي الأعلى بالمقارنة مع أقاليم العالم الأخرى، وتمس قرابة 17 مليون عاطل أكثر من نصفهم من الشباب. وعلى رغم تحسن أداء الدول العربية عامة في مجال التشغيل خاصة في ضوء تزايد مساهمة القطاع الخاص في التوظيف، وبدء ظهور الأثر الإيجابي في بعض الدول العربية لتراجع معدلات الخصوبة وعدد السكان في سن العمل، فإن هذا التحسن لم يكن متساويّاً في كل الدول. كما اقترنت الزيادة في التوظيف في عديد من الأحيان بتدن في الإنتاجية. ويبقى التعليم وإرساء مجتمع المعرفة هو المفتاح لغد أفضل، ولكن وضع الدول العربية، على رغم الإنفاق الهائل لبعضها في هذين المجالين، ما زال متواضعاً حيث إن متوسط سنوات التمدرس في قوة العمل العربية والبالغ حوالي 5 سنوات، هو نصف سنوات تمدرس القوة العاملة في بلد مثل كوريا الجنوبية. ولعل مما يؤسف له أن المتدخلين لم يتوقفوا بشكل مرض كما كان محدداً في محاور المنتدى عند العامل السياسي في تحريك عجلة النمو الاقتصادي في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، فوجود المنطقة على موقع نقطة التقاء قارات ثلاث، ومخزونها الهائل من النفط المتوفر تحت صحاريها وجيرتها المباشرة مع الكيان الصهيوني، تجعلها منطقة حساسة ورئيسية في النظام الدولي، كما أن التشرذم والهوان الذي يصيب بعضاً من مكونات المنطقة، خاصة غياب الوحدة العربية، يمنعها من تحويل هذه الحساسية إلى مصدر قوة وتأثير بدلًا من أن تكون مغناطيساً يجلب رغبة الأقوياء بعد ولوجهم إليها؛ فالدول العربية مجتمعة لها من المؤهلات البشرية والطبيعية ما يمكنها من تحقيق اكتفاء وتكامل اقتصادي شامل يحل مشاكل البطالة والهجرة والمياه والتنمية، ولكن مصيبتنا هي تلك الإشكالية المستمرة على تواجدنا في موقع استراتيجي حساس بمعطياته الجغرافية ومؤهلاته البشرية والاقتصادية، ومن جانب آخر على تواضع عناصر القوة التي بحوزتنا بسبب معضلة اللاوحدة، للدفاع عن ذلك الموقع ولتعظيم الفوائد من تلك المؤهلات مجتمعة، ومعروف في النهاية في أدبيات العلاقات الدولية أن الموقع الحساس الذي يكون بحوزة اللاعب الضعيف يتحول بالضرورة من مصدر محتمل للنفوذ إلى عبء سياسي بل واقتصادي.