في دول مجلس التعاون الخليجي تلتقي التوجهات الرسمية مع الرغبة العامة لدى المواطنين الخليجيين لاستكمال التوجهات الرامية إلى تطوير مجلس التعاون وتسخير القدرات الخليجية لإيجاد اقتصاد خليجي موحد يتناسب والتغيرات الجارية في العالم. وفي هذا الصدد طالب عبدالله بن حمد العطية، نائب رئيس الوزراء ووزير الطاقة والصناعة القطري، في الأسبوع الماضي دول المجلس "بضرورة اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال مراحل التكامل الاقتصادي فيما بينها لمواجهة التكتلات الاقتصادية العالمية وتعزيز موقعها الاقتصادي بين هذه التكتلات". ومثل هذه التصريحات صدرت وبنفس الحرص من العديد من الوزراء والمسؤولين في كافة دول المجلس دون استثناء، مما يؤكد حرص الجميع على المضي في عملية التكامل الاقتصادي الخليجي لقناعتهم بأهميتها ومردوداتها الإيجابية وتعبيرها عن المصالح المشتركة. وفي المقابل، هناك دعم شعبي كبير لمثل هذه التوجهات الرسمية يمكن تلمسه من خلال مؤسسات المجتمع المدني وكتاب الرأي ووسائل الإعلام الخليجية، بدليل الآمال التي يعلقها المواطنون الخليجيون في كل عام على القمة السنوية للمجلس الأعلى. ومع وجود هذا الإجماع الرسمي والشعبي، إلا أن وتيرة التكامل الخليجي لا زالت تسير بصورة بطيئة، مما يعني أن هناك خللًا يشوب عملية التكامل هذه، التي يمكن معالجتها من خلال الوزارات والدوائر المسؤولة عن عملية التكامل ذاتها. وإذا ما أخذنا موضوع التأجيل المتكرر للاتحاد الجمركي، فهل يمكن للوزراء المختصين بهذا الشأن تفسير عملية التأجيل؟ وخصوصاً أن إيجابيات الاتحاد الجمركي عمت، منذ الأخذ ببنوده مع بداية عام 2003، كافة دول المجلس، وتضاعف حجم التبادل التجاري فيما بينها، وزادت من حصيلة الرسوم الجمركية، وخفضت من التكاليف وأسعار الخدمات المرتبطة بالمعاملات التجارية. وفي هذا السياق، هل يمكن لوزراء الاقتصاد شرح أسباب تأخر تطبيق بنود اتفاقية السوق الخليجية المشتركة؟ التي ستتحول معها دول المجلس إلى سوق موحدة وذات آفاق مستقبلية تتيح تطوير العديد من القطاعات الاقتصادية المهمة التي تحتاج لمثل هذه السوق الكبيرة. وضمن هذه التساؤلات أيضاً، هل يمكن لوزراء الطاقة والصناعة تبيان العراقيل التي تحول دون قيام شبكة للغاز بين دول المجلس؟ وذلك بعد التجربة الناجحة لخط "دولفين" الذي يربط دولة قطر بدولة الإمارات وسلطنة عمان، والذي انعكس بصورة إيجابية كبيرة على اقتصادات هذه الدول وساهم في تطوير قطاعات مهمة، علماً بأن هناك العديد من المشاريع المهمة، إما مجمدة أو غير قابلة للتوسع بسبب نقص إمدادات الغاز. ومثل هذا المشروع الحيوي الذي يمكن أن يمتد من الكويت إلى عُمان، وربما اليمن وبلدان عربية أخرى في المستقبل، يفترض أن تشارك فيه كافة دول المجلس، وخصوصاً أنه أعلن خلال هذا العام عن اكتشافات غازية كبيرة في كل من الإمارات والسعودية. وإذا كانت هناك صعوبات وعراقيل لم يتم تجاوزها خلال أكثر من ثلاثين عاماً، فكيف يمكن للوزراء المعنيين كل في مجاله العمل على تذليل هذه الصعوبات، وبالتالي تقديم دعم كبير لعملية التنمية في دول المجلس. من الواضح أن هناك أسباباً غير اقتصادية تقف عقبة أمام عملية التنفيذ، غير أن الخسائر في هذه الحالة ستعم الجميع، إذ ربما لا تتضح معالم هذه الخسائر في المدى القريب، إلا أنه سيتم إدراكها مستقبلًا، فالمصالح الخليجية تداخلت بصورة تتيح معها ضرورة تجاوز الخلافات الثانوية لتحقيق مكاسب للجميع، سواء كانوا مصدرين أو مستوردين للغاز والمنتجات النفطية بشكل عام. والحال أن دعوة الوزير العطية تحمل الكثير من المعاني والرسائل التي يمكن أن تشكل بداية جديدة للوزراء الخليجيين، الذين يملكون الكثير من الصلاحيات لتنفيذ المشاريع الحيوية المشتركة والموجودة على أرفف المكاتب والأجندات الاقتصادية الخليجية.