من المقرر أن تنطلق غداً الجمعة في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948 حملة لإحياء ذكرى ضحايا الاحتجاجات على القمع الصهيوني لمظاهر التأييد التي أبداها العرب هناك عام 2000 تضامناً مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. حيث استشهد حينها 12 فلسطينيّاً (من المناطق)، وآخر من سكان قطاع غزة، كان في تلك المناطق. والحقيقة أن "فلسطينيي 48" باتوا مصدر سند حقيقيّاً للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وباتوا يحملون الآن عبئاً مضاعفاً في حماية المسجد الأقصى، وذلك في وقت أدى فيه بناء الجدار الفاصل الإسرائيلي، لإعاقة وصول الفلسطينيين من الضفة إلى المدينة. كما أنّ دخول هؤلاء الفلسطينيين لمدن الضفة الغربية، وخصوصاً في العطل الأسبوعية، لغرض التسوق، أوجد مصدر دخل مهماً لقطاع من الفلسطينيين، مما يعني نوعاً من الدعم الاقتصادي غير المباشر المهم. ويشكل العرب الفلسطينيون داخل "إسرائيل" نحو 20 في المئة من السكان، (نحو مليون ونصف المليون نسمة). وهم الباقون، والأبناء، والأحفاد، من العرب الذين لم يخرجوا مما احتل من فلسطين عام 1948، بعد أن تم تشريد نحو 80 في المئة من أهل البلاد العرب الذين كانوا موجودين قبل الحرب. وقد تضاعف عدد هؤلاء منذ الاحتلال، نحو 10 مرات، ونسبتهم الآن أكثر من الضعف، مقارنة مع ذلك الوقت. واللافت أنّ هؤلاء الفلسطينيين لا زالوا حتى الآن يبدون "وحدهم". بمعنى أنّهم عانوا طويلًا حالة عزلة فريدة تاريخيّاً. ففي أعقاب قيام إسرائيل، انقطعت صلاتهم مع محيطهم العربي بشكل شبه كامل، حتى أنّ حصولهم على كتاب مطبوع باللغة العربية كان أمراً صعباً. وكانت فصائل فلسطينية وأحزاب وأنظمة عربية تعتبر التواصل معهم نوعاً من التطبيع، بسبب حصولهم على جوازات سفر وجنسيات إسرائيلية بحكم الأمر الواقع. وقد تراجع وضع العزلة التي يعيشونها، لأسباب منها إعادة النهوض الثقافي العربي في أوساطهم. وكما قال لي أحد السياسيين منهم، إنّه ولمدة نحو ربع قرن بعد الاحتلال كانت هناك ندرة شديدة في الخريجين الجامعيين بينهم، حيث إن الانقلاب الديموغرافي، وحلول اللغة العبرية في التعليم الجامعي وغير ذلك جعل مرحلة عدم التوازن تطول، وهذا ما بدأ بالتغير في السبعينيات. أضف إلى ذلك أن معاهدات السلام العربية -الإسرائيلية التي أبرمت زادت تواصلهم مع محيطهم. واللافت أنّ أغلب حالات التفاعل بين هؤلاء الفلسطينيين والمحيط العربي، تأتي بمبادرة منهم، وليس العكس. فمثلاً هم يساندون إخوانهم الفلسطينيين في الضفة والقطاع ماديّاً ومعنويّاً. وحضورهم لمؤتمرات وندوات وفعاليات علمية في دول عربية يتم غالباً بمبادرة منهم. بل إنّ دعوة بعضهم لدول عربية لإعطاء محاضرات عن أوضاعهم تحدث بمبادرة منهم، أكثر منها من المضيفين. والمنطقي أنّه، مثلما يتجند يهود العالم لمد المستوطنين في فلسطين بالمال والدعم بأنواعه، أن نشهد تأسيس جمعيات وهيئات عمل دائمة لدعم الفلسطينيين هناك. فمثلًا لماذا لا توجد جمعية متخصصة لدعم أهالي يافا وغيرها في بناء وترميم بيوتهم التي يسعى الإسرائيليون لهدمها؟! ولماذا لا توجد جمعية متخصصة بالدعم العلمي والتعليمي؟ قد لا يكون ممكناً أو مطلوباً التواصل سياسيّاً تماماً مع العرب في فلسطين 48، ولكن دعم صمودهم ينبغي أن يرتقي من الشعارات ومن الاستجابة المحدودة لطلباتهم، إلى مبادرات عربية شعبية ورسمية لتفعيل آليات دعم مؤسسية ثابتة. كما أن الرفض العربي الفاعل لمحاولة إسرائيل انتزاع اعتراف عالمي بمفهوم "يهودية الدولة" مما يمهد لانتزاع حقوق العرب هناك، يبقى في كل الأحوال أمراً حاسماً.