في يوم من الأيام، كان ضرب الزوجة والأطفال يعتبر واجباً من واجبات الأب، وكانت المثلية الجنسية جريمة يعاقب عليها بالشنق، وكان "الإيهام بالغرق" مقبولا – بل إنه اختُرع – من قبل الكنيسة الكاثوليكية. وفي أواسط القرن التاسع عشر، كانت الولايات المتحدة ودول أخرى تقبل بالعبودية وتتغاضى عنها. كما أن العديد من أجدادنا وُلدوا في ولايات حيث كان محظوراً على النساء التصويت في الانتخابات. وحتى بعد سنوات على بداية القرن العشرين، كانت الغوغاء في هذا البلد يعذبون ويشنقون ويحرقون الأشخاص بدون محاكمات. وبالنظر إلى مثل هذه الفظاعات اليوم، من السهل أن نتساءل: كيف كان الناس يفكرون في ذلك الوقت؟ والواقع أن ثمة احتمالًا كبيراً لأن يطرح أحفادنا السؤال نفسه بشأن بعض ممارساتنا الحالية. وبإلقاء نظرة إلى الماضي، سنجد ثلاثة مؤشرات على أن ممارسة ما ستصبح محل تنديد وشجب في المستقبل. أولًا، إن الناس يسمعون الحجج ضد الممارسة موضوع الحديث منذ مدة، فالحجج ضد العبودية، على سبيل المثال، لم تظهر هكذا فجأة في لحظة صفاء أخلاقي، بل كانت موجودة منذ قرون. ثانياً، إن المدافعين عن التقاليد لا يقدمون عادةً حججاً أخلاقية مضادة، وإنما يكتفون بالإشارة إلى التقاليد أو الطبيعة البشرية أو الحاجة (من قبيل: "لقد كان لدينا دائما عبيد، ثم كيف لنا أن نزرع القطن بدونهم؟"). ثالثاً، إن المؤيدين للممارسة ينخرطون في ما يمكن أن نسميه التجاهل الاستراتيجي، حيث يتحاشون الحقائق التي قد ترغمهم على مواجهة الآثام التي هم فيها متورطون. الآن وأخذاً بعين الاعتبار هذه المؤشرات، لنتأمل أربعة مواضيع مرشحة للانتقاد الأخلاقي في المستقبل: أولاً؛ نظام المؤسسات العقابية نعلم أن معدل فقدان الحياة المرتفع في سجوننا مزعج ومقلق أخلاقياً، ولكن الأشخاص الذين يدافعون عن ظروف الاعتقال عادة ما يفعلون ذلك انطلاقاً من اعتبارات غير أخلاقية (حيث يشيرون إلى التكاليف أو الصعوبة الإدارية للإصلاح)؛ كما أننا نميل إلى غض أبصارنا عن التفاصيل. ثانياً:1 في المئة تقريبا من الراشدين في هذا البلد معتقَلون، وإذا كان لدينا 4 في المئة من سكان العالم، فإن لدينا 25 في المئة من سجنائه. وبالتالي، فإنه لا يوجد بلد آخر في العالم لديه نسبة كبيرة من سكانه في السجن مثلما هو الحال في الولايات المتحدة؛ بل إن حتى المعدل في الصين هو أقل من نصف معدلنا. والأدهى أن أغلبية المساجين في أميركا ليسوا من مرتكبي جرائم عنف، فالكثير منهم معتقَلون بسبب تهم تتعلق بالمخدرات، ثم إن الحجم الكامل للعقاب الذي يواجهه السجناء لا يكون مفصلاً في حكم أي قاض؛ ذلك أن أكثر من 100 ألف نزيل يعانون من التحرش الجنسي كل عام، بما في ذلك الاغتصاب؛ وبعضهم يصاب بفيروس الإيدز نتيجة لذلك. كما أن بلدنا يضع 25 ألف سجين على الأقل في عزلة في ما يسمى بمؤسسات شديدة الحراسة، في ظروف يقول العديد من علماء النفس إنها ترقى إلى التعذيب. ثالثاً: إنتاج اللحوم الصناعية؛ من بين قطيع الماشية الذي يفوق 90 مليون رأس في بلدنا، فإن 10 في المئة منها على الأقل يتم تكديسها في حظائر من أجل التعليف والتسمين، لا يقيها من الأمراض الحتمية الناتجة عن الاكتظاظ وملازمة الحظائر إلا الجرعات الدورية للمضادات الحيوية، تحيط بها أكوام من فضلاتها. تخيلوا هنا الصورة – وبعد ذلك تخيلوا أحفادكم ينظرون إلى تلك الصورة. رابعاً: مأسسة عزلة المسنين والعجائز؛ فقرابة مليونين من مسني وعجائز أميركا يودَعون في دور للعجزة، بعيداً عن أبصارنا، وأحياناً بعيداً عن عقولنا. وقد تأسست عبر مختلف مناطق البلاد حوالي 10 آلاف مؤسسة ربحية خلال العقود الأخيرة من أجل استقبالهم. صحيح أن مسنين وعجزة أميركيين آخرين قد يعيشون باستقلالية، لكنهم في أحيان كثيرة يُعزلون وتنقطع صلاتهم بعائلاتهم (والواقع أن الولايات المتحدة ليست الوحيدة من بين الديمقراطيات المتقدمة في هذا. ولنتذكر هنا موجة الحر التي ضربت فرنسا في 2003، حين تُرك نحو 14 ألفاً من الآباء والأجداد كبار السن ليلقوا حتفهم جراء ارتفاع درجات الحرارة المفرطة بينما ذهبت العديد من العائلات للاستمتاع بإجازاتها الصيفية). فهل هذا ما تمثله الحداثة الغربية – مجتمعات لا تشعر بأي مسؤوليات تجاه مواطنيها من كبار السن؟ خامساً: البيئة؛ لعل الأكثر مدعاة للشعور بالخزي من بين كل التزاماتنا تجاه الأجيال المقبلة هو موقفنا السلبي من الموارد الطبيعية لكوكب الأرض ونظامه البيئي. ولننظر هنا مثلاً إلى صورة لروسيا عبر الأقمار الاصطناعية، حيث سنرى منطقة واسعة من الأراضي القاحلة والمقفرة التي كانت قبيل بضعة عقود فقط أراضي خضراء خصبة. إنها جمهورية كالميكيا، التي تحتضن ما اعتبر في السبعينيات أول صحراء من صنع البشر في أوروبا. والواقع أن التصحر، الذي هو بشكل أساسي نتيجة لممارسات تدميرية بخصوص إدارة الأرض، يهدد ثلث سطح الأرض؛ وقد طُمرت عشرات الآلاف من القرى الصينية واختفت تحت زحف الرمال خلال العقود القليلة الماضية. المشكلة أننا لسنا غافلين عن الضرر الذي نلحقه بالكوكب: فنحن نعرف الضرر الذي يتسبب فيه التصحر، والتلوث، والصيد الجائر، والغازات المسببة للاحتباس الحراري. والواقع أنه من المستبعد أن يكون لدى أحفادنا، الذين سيرثون هذا الكوكب المدمَّر، ترف العيش على نحو متهور وغير مسؤول مثلنا؛ بل الاحتمال الأرجح هو أنهم لن يستطيعوا غض الطرف عنه، حتى إن أرادوا ذلك. ستكون لدينا جميعاً شكوكنا الخاصة بشأن أي الممارسات ستدفع الناس يوماً ما إلى التساؤل في حيرة: ما الذي كانوا يفكرون فيه في ذلك الوقت يا ترى؟ ورغم أنه ليس لدينا جواب شافٍ، إلا أننا سنكون أفضل حالاً إذا استشرفنا هذا السؤال. -------- كوامي أنتوني أبيا أستاذ الفلسفة بجامعة برينستون -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"