عقبة السلام الإسرائيلية ومخاطر تجدد الحرب الأهلية في السودان -------- العرقلة الإسرائيلية لمفاوضات السلام، ونذر تجدد الحرب الأهلية في السودان، ومخاطر انتكاسة الثورة الزراعية الأفريقية، ووصمة جرائم الشرف بحق النساء... قضايا نعرض لها ضمن جولة سريعة على الصحافة البريطانية. ------- عقبة السلام الإسرائيلية كان ذلك تلخيصاً لمحتوى افتتاحية صحيفة "ذي أوبزرفور" لعددها الأخير. فعلى عكس ملاحظة الدبلوماسي الإسرائيلي السابق "أبا إيبان"، التي قال فيها في عقد السبعينيات "إن العرب لا يفوتون فرصة لتفويت الفرص" تنطبق هذه المقولة اليوم على رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، بنيامين نتنياهو، الذي واظب على مقاومته النشطة لأي انخراط دبلوماسي حقيقي مع الفلسطينيين من أجل التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع، على مدى ما يزيد على العقدين الماضيين. وليس امتناعه عن تجميد بناء المزيد من المستوطنات الإسرائيلية في أراضي الضفة الغربية، سوى آخر الأمثلة على مقاومته المستمرة لمشروع السلام. وقالت الصحيفة إنه لا يحق لأحد إلقاء اللوم على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبومازن، فيما لو قرر الانسحاب من المفاوضات المباشرة الجارية الآن بينه والجانب الإسرائيلي برعاية أميركية، عقب انتهاء المهلة المقررة لوقف نتنياهو لإجراءات التوسع الاستيطاني المذكورة. ويقوم تعنت نتنياهو على خوفه من احتمال انهيار التحالف السياسي الذي تعتمد عليه حكومته -وهو تحالف قوامه المتطرفون اليمينيون من أعضاء الكنيست-في حال إصداره قراراً بوقف العمل في الوحدات الاستيطانية الجديدة. ويفهم من هذا التمنع أن سياسات نتنياهو مغلولة بقيود السياسات الداخلية. غير أن هذه القيود ليست سوى وصفة فاشلة مجربة لإعادة إنتاج الأزمة واستمرار النزاع بدلاً من تسويته سلمياً. ومن أكبر العقبات التي تحول دون تقدم إسرائيل جدياً نحو السلام -كما تقول الافتتاحية- أن حكوماتها ظلت تفاوض من موقع التفوق العسكري على الفلسطينيين. وبسبب تلك الرؤية، لطالما دأبت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على التعامل مع الفلسطينيين ليس بصفتهم شركاء وأنداداً لها، بل كونهم الطرف الدوني المغلوب على أمره. وفي الوقت نفسه تلجأ هذه الحكومات لاستخدام القوة العسكرية المفرطة في كسر شوكة الخصوم الفلسطينيين. ولكن ظلت هذه الاستراتيجيات تثبت فشلها عقداً وراء الآخر، ولم يكن العائد منها سوى تجدد العنف والاشتباكات. والآن ينبغي لتل أبيب إعادة النظر في هذه الاستراتيجيات، بما يفتح الطريق أمام التوصل إلى تسوية سلمية لا تزال ممكنة برعاية واشنطن. الحرب الأهلية في السودان أثارت مجلة "ذي إيكونومست" في إحدى مقالاتها التحليلية المنشورة بعددها الأخير هذا السؤال، على خلفية اقتراب موعد إجراء الاستفتاء الشعبي حول مصير جنوب السودان، في شهر يناير المقبل. وجاء في المقال إن قلة من الجنوبيين البالغة كثافتهم السكانية ثمانية ملايين نسمة، تؤيد استمرار بقاء الجنوب في إطار وحدته التاريخية مع الشمال، ما يعني ترجيح احتمال انفصال الجنوب والإعلان عن دولة أفريقية جديدة هي "جنوب السودان" بحلول منتصف العام المقبل. كما أورد المقال أن قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان، يصفون الاستفتاء المقبل بأنه "المسيرة الأخيرة نحو الحرية". ويمثل الانفصال بالنسبة لقادة الحركة ثمرة كفاح استمر لمدة نصف قرن كامل من أجل استرداد الجنوبيين لحقوقهم السياسية والاقتصادية والثقافية التي سلبتهم منها الحكومات الشمالية المتعاقبة في الخرطوم. لكن وعلى رغم تفاؤل الجنوبيين بقرب الإعلان عن دولتهم المستقلة، فإن هناك مخاطر كبيرة جداً تحيط بعملية الانفصال، على حد قول "ذي إيكونومست". على رأس هذه المخاطر أن الاستفتاء نفسه مختلف عليه بين القيادات السياسية في شمال وجنوب السودان. وثانيها أن الدولة الجنوبية الناشئة سوف تكون من الضعف إلى حد يهدد ليس استقرار الجنوب وحده، بل شمال السودان والمنطقة الأفريقية المجاورة كذلك. وثالثها أن الانفصال ربما يؤدي إلى تجدد اشتعال الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، بسبب معارضة الحكومة المركزية في الخرطوم لمبدأ الانفصال، وإن كان قادتها يصرحون علناً باحترامهم لنتيجة الاستفتاء وإرادة الجنوبيين فيما لو قرروا الانفصال. انتكاسة الثورة الخضراء عن هذه المخاطر كتب كل من "آجنيس كاليباتا" و"جوزيف سام سيسي" قائلين عبر مقالهما المنشور في "الجارديان" الصادرة يوم الأحد الماضي: إن معظم الدول الأفريقية تضخ مزيداً من الأموال والاستثمارات في المشاريع الزراعية، حرصاً منها على تحقيق هدف الأمن الغذائي لشعوبها. بيد أن من شأن هذه الثورة -كما يصفها الكاتبان- أن تنتكس ما لم يتوفر لها التمويل الدولي اللازم. ويذكر الكاتبان في تفاصيل مقالهما أن ما يقارب المليار نسمة من سكان العالم يعانون من نقص حاد في الغذاء ويتطلعون إلى الانفلات من مصيدة الفقر. ولكي يكون عالمنا أكثر عدلاً وإنسانيةً واستقراراً، فإن عليه أن يتحرر من وصمة الجوع، باعتبارها أشد أشكال الحرمان قسوةً. ويتطلب هذا التحرر الوفاء بتطلعات ورغبات مواطنيه الفقراء. يذكر أن قادة العالم كانوا قد قطعوا على أنفسهم عهداً قبل نحو عقد مضى، بخفض معدلات الفقر المدقع بنسبة 50 في المئة بحلول عام 2015، ضمن تحقيقهم للأهداف الإنمائية للألفية. وقد جدد قادة العالم تلك الالتزامات خلال اجتماعهم الأخير في نيويورك في قمتهم الاستطلاعية للأهداف الإنمائية المذكورة، التي لم يتحقق منها شيء يذكر في حقيقة الأمر. فبدلاً من خفض معدلات الفقر والجوع العالميين بنسبة 50 في المئة، ارتفعت تلك المعدلات جراء الزيادة التي طرأت على أسعار الغذاء العالمي خلال الفترة بين 2007-2009، وبسبب تأثيرات الأزمة الاقتصادية الأخيرة. وبالنتيجة، هناك فرد واحد جائع على الأقل بين كل ستة من سكان العالم. وهذا الواقع تعانيه غالبية بلدان القارة الأفريقية مع غيرها من بقية الدول النامية في القارات الأخرى. وعليه، فإن أفريقيا بحاجة أكبر من ذي قبل إلى دعم المجتمع الدولي لجهودها الزراعية الهادفة إلى تقليص أزمة الفقر والجوع هذه. جرائم الشرف خلال الأسابيع القليلة الماضية، نشر الكاتب "روبرت فيسك" سلسلة من المقالات عن الجرائم المخزية التي ترتكبها مجتمعات عديدة في أنحاء متفرقة من العالم بحق النساء، باسم صون العرض والشرف القبلي أو الأسري في صحيفة "ذي إندبندنت" نختار منها هذه الأخيرة التي قال فيها إن هذا النوع من الجرائم ظل يمارس في دول شرق أوسطية بعينها لعدة قرون مضت، غير أن الشرق الأوسط ليس المنطقة الوحيدة التي يرتكب فيها هذا النوع من الجرائم بحق النساء، لا سيما الفتيات القصّر باسم غسل العار عن شرف العائلة أو القبيلة. فإلى المجتمعات العربية المسلمة، انضمت مجتمعات أخرى في تركيا ثم بلجيكا وروسيا وكندا، لترتكب الجرائم نفسها بحق النساء، وإن اختلفت الوسائل والمسميات. ويلاحظ أن العديد من المجتمعات المسيحية والهندوسية لجأت إلى قتل النساء استناداً إلى ذريعة الشرف نفسها. يذكر أن إحصاءات الأمم المتحدة، قدرت عدد النساء اللائي يقتلن سنوياً لهذا السبب، بنحو 5 آلاف امرأة. غير أن الكثير من منظمات حقوق الإنسان، خاصة في منطقتي الشرق الأوسط وشرق وجنوب غربي آسيا، تشككت في صحة الرقم مرجحة وصوله إلى حوالي 20 ألف امرأة سنوياً. غير أن هذه الجرائم تشمل قتل الرجال والانتقام منهم غسلاً للعار بذات القدر. وفي معظم الحالات، تكشف التحقيقات الجنائية والفحوص الطبية التي تجرى للمجني عليهن، عن براءتهن وقتلهن جزافاً وظلماً. إعداد: عبدالجبار عبدالله