كثير من دول العالم تعتمد نظام التجنيد الإجباري، وكثير منها تخلت عنه لأنها لم تعد بحاجة إليه. وأُفضّل أن أطلق على هذه العملية "الخدمة الوطنية" فمصطلح التجنيد الإجباري يبدو سلبياً وغير مشجع كثيراً، و"الخدمة الوطنية" ليست مجرد خدمة عسكرية وتمارين رياضية وتدريبات على استخدام السلاح... بل هي أكثر من ذلك بكثير. الوطن اليوم بحاجة إلى سنة بعد الثانوية العامة تتم فيها تهيئة المواطن لدخول معترك الحياة ليتعلم الانضباط والنظام ويتعود على احترام القانون والالتزام بثوابت الوطن. و"الخدمة الوطنية" هي أشهرٌ من العمل والتدريب يتخرج المواطن في نهايتها مستعداً للتعامل مع تحديات الحياة داخل وطنه وخارجه. وهذه الخدمة مهمة لتدعيم حياة المواطنين ولتعزيز الأولويات الوطنية بشكل أكبر. التدريب العسكري -الذي هو جزء أساسي من الخدمة الوطنية- أمر مهم جداً، والقوة والصرامة والانضباط أمور مهمة أيضاً في ظل ما نراه من لا مبالاة انتشرت بين بعض الشباب، ومن ضعف في الشخصية لدى آخرين رغم أنهم ليسوا صغاراً في السن... وكذلك نظراً لما نراه من عدم الرغبة في تحمل المسؤولية وعدم قدرة البعض على مواجهة التحديات... فيبدو أن الحياة المرفهة التي يعيشها بعض المواطنين جعلتهم يستسهلون العيش وبالتالي لا يعرفون مواجهة مصاعب الحياة. ولا يجب أن ننسى أننا تحولنا إلى مجتمع استهلاكي يعتمد على الآخر، وفي نفس الوقت يجب أن لا نتجاهل وضعنا الخاص والذي قد يحتاج أن نعتمد مثل هذه الخدمة للحفاظ على المكاسب التنموية الكبيرة التي يحققها بلدنا. إن نظام الخدمة الوطنية لا يجب أن يكون متشابهاً في كل الدول، فالأسباب التي تدعونا لاعتماده قد تختلف عن الأسباب التي تدعو مصر أو سوريا أو السعودية أو الكويت أو غيرها من الدول الأخرى لتبنيه. أما أشقاؤنا في دول الخليج فأعتقد أنهم قد يحتاجون إلى اعتماده بشكل عام للتشابه الكبير في الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية والأمنية بين دولهم. إن التركيبة السكانية لدولة الإمارات، والتحديات الأمنية والسياسية في المنطقة، ربما تقتضي التفكير مستقبلاً في الاتجاه إلى الأخذ بنظام "الخدمة الوطنية". فوجود مثل هذا التوجه يعني إنجاز كثير من الأمور وترسيخ كثير من المفاهيم التي فاتت الشاب الخليجي أثناء سنوات الدراسة، نظراً لاعتماد المدارس على تدريس العلوم وعدم التركيز كثيراً على الأمور الوطنية. لذلك يفترض أن تساهم الخدمة الوطنية في بعض الأمور الرئيسية في حياة المواطنين كتوضيح مسألة الهوية الوطنية وتحديد مقومات الولاء للوطن ووضع خلفية مشتركة لجميع المواطنين حول هذا الوطن وما يجب أن يقدموه له... فلا يبدأ أي شاب حياته إلا وقد أصبح جاهزاً لمعرفة كل ما يجب أن يعرفه عن وطنه وقضاياه. ويمكن تقديم الخدمة العسكرية للشباب بالإضافة إلى تدارك ما فاتهم من أمور وطنية خلال سنوات الدراسة. هناك رموز لهذا الوطن وأهداف لهذا الشعب، وهناك رؤى لقادة هذا البلد يجب أن يتم تحقيقها، وقبل ذلك يجب معرفتها والعمل على استيعابها وهذا ما لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال مشروع "الخدمة الوطنية". كما أننا بحاجة إلى خلق ذاكرة مشتركة وفكر مشترك لكل مواطني الإمارات. فكر وطني اتحادي يؤمن بأن بقاء هذا الوطن أهم من أي شيء وكل شيء وأن التقصير في حق الوطن هو تقصير في مستقبل الأجيال المقبلة. كما يجب من خلال الخدمة الوطنية أن يعرف المواطن كيف يدافع عن وطنه أمام أي اتهامات مغرضة قد يتعرض لها. وكيف يدافع عن بلده في جميع الأوقات، ففي كل ذلك يحتاج المواطن إلى الاستفادة من خبرات "الخدمة الوطنية". وإذا تم تبني هذا النظام فينبغي عدم استثناء أحد منه فلا أحد يقبل أن يستثنى من خدمة وطنه. ولا شك أنه سيكون هناك معترضون على هذه الخدمة... وأغلبهم سيبنون أحكامهم على ما يسمعونه عنها في بعض الدول العربية. ولا أعتقد أن هناك مجالاً للمقارنة بين الإمارات وتلك الدول. كما أن نظام الخدمة الوطنية إذا اعتمد في الدولة فلن يكون كذلك النظام القديم، فالخدمات العسكرية تطورت وصارت أكثر احترافية من السابق، كما أن ظروف التجنيد الإجباري في تلك الدول تختلف كثيراً عن الإمارات. وأخيراً من المهم أن لا ننسى الفتيات فهن أيضاً بحاجة للاشتراك في "الخدمة الوطنية"، مع ضرورة مراعاة التقاليد الاجتماعية وطبيعة الفروق بين الجنسين... لكن مع التأكيد على أهمية الخدمة الوطنية، فالمشكلات التي تعاني منها الفتيات لا تختلف كثيراً عن مشكلات الشباب.