كتب العفيف الأخضر على موقع "إيلاف" سلسلة "ضرورة الفصل بين إسلام الإيمان وإسلام التاريخ" (أكتوبر 2008). وما يهمنا منها إشارته إلى "عبادة الأسلاف"، و"إسلام التَّاريخ". فالسَّيدة عائشة بنت أبي بكر الصَّديق (ت 57/58 هـ) في إسلام الإيمان هي أم المؤمنين، وهي المبرأة بآية لا تقبل التَّأويل ولا التَّفسير، وإحدى أهم راويات ورواة الحديث الشريف، وذات منزلة وعقل وفقه. لكن في إسلام التَّاريخ اختلفت مع الخليفة عثمان (قتل 35 هـ) ثم مع الخليفة علي (اغتيل 40 هـ). فمهما تقدست تلك الأسماء، في حاضرنا، لم يعدوا أنفسهم خارج الطبيعة البشرية، لابد أنهم اختلفوا وتوافقوا، ولدينا من الأدلة أنهم أبعد مما تتجالد بأسمائهم المذاهب الآن. كتب الجاحظ (ت 255 هـ): قيل لجعيفران الموسوس: "أتشتم ...وتأخذ درهماً؟ قال: لا، بل أشتم ... وآخذ نصف درهم" (البيان والتَّبيين). ماذا تعني هذه الرِّواية التي زُجت في كتب التُّراث للتَّفكه، سوى جعل زوجة النَّبي خصماً أبدياً لابنته، قبل أن يُفصل المسجد ويفلق الأذان، وينشطر الفقه إلى شيعي وسُنَّي! لا أراها إلا استبدال إسلام الإيمان بإسلام التَّاريخ. ومِنْ قرون، ليس في زمن المعمم المراهق ياسر الحبيب، وباثي الشَّعوذة مِنْ أمثال عبد الحميد المهاجر! إنها عبادة الماضي، سلباً أو إيجاباً، وكأن الزَّمن توقف عن الجريان عند "السَّقيفة" (11 هـ)، ومعركة الجمل (36 هـ). هناك مختلقات استحالت إلى حقائق، فالمطلوب مِنْ الاحتفال باستشهاد السَّيدة الزَّهراء (ت 11 هـ) هو الإيحاء أنها قُتلت، وجُعل للمناسبة تاريخان، والاحتفال يجري فيهما بالاندفاع نفسه: 13 جمادي الأول، والثالث مِنْ جمادي الثاني. ليس هذا فحسب وإنما يريدون أن كلِّ الأئمة قضوا قتلى، بما أورده المجلسي (ت 1699 ميلادية)، أكثر فقهاء الصَّفويين اختلاقاً للّامعقولات: "ما منَّا إلا مقتول شهيد" (بحار الأنوار). مثلما كان المطلوب مِنْ جعل الشِّيعة نسلاً لشَّخصيةٍ موهومةٍ هي عبدالله بن سبأ، وربط سقوط الخلافة العباسية باطلاً بخيانة الوزير ابن العلقمي (ت 656 هـ). للأسف لم تؤخذ تلك الاختلاقات على أنها روايات قد تخطئ وتصيب، إنما خُلدت في الذاكرة المذهبية لتعيشها الأجيال بفتنة القول والفعل، والبقاء على زعامات الطَّوائف متكئة على عروشها! ليس هناك كتاب أوثق، في تعداد قتلى العلويين، مِنْ "مقاتل الطَّالبيين" لأبي فرج الأصفهاني (ت 356 هـ)، وهو شيعي على الرَّغم مِنْ أصله الأموي، إلا أنه لم يذكر بين المغتالين والمقتولين: الزَّهراء، ولا حفيدها السَّجاد (ت 94 هـ)، ولا ولده الباقر (ت 117 هـ)، ولا ولده الصَّادق (ت 148 هـ)، ولا حفيده الجواد (ت 221 هـ)، ولا ولده الهادي (ت 254 هـ)، ولا ولده العسكري (ت 260 هـ). كذلك جاء اليعَقُوبي (ت 292 هـ)، والمسعودي(ت 346 هـ) وهما يميلان للتشيع، على قصص المغتالين مِنْ الأئمة، ولم يعدا بينهم المذكورين. ماعدا أن المسعودي عندما ذكر وفاة الصَّادق لمح بالقول: "وقيل إنه سقي السًّم". ولم يتهم أحداً. لكنه يذكر أنه في يوم الحرة (63 هـ)، عندما خلعت المدينة والي يزيد (ت 64 هـ)، أن الوحيد الذي لم يجبر على المبايعة هو السَّجاد، بل وشفع لعدد مِنْ النَّاس (مروج الذَّهب). ليس تاريخ الخلافة، مثلما يتصوره عبدة الأسلاف خالياً من الدِّماء أو كلُّه عداء لآل البيت، حتى يُشار إلى أهل السُّنَّة كافة أنهم ورثة العهد الأموي، إنما كلُّ ما حدث لم يخرج مِنْ دائرة السِّياسة. لا نظن أن الأئمة بهذا الضِّيق كي يجعلوا الثَّأر قائماً إلى أبد الآبدين متفجرات تتبادلها الأجيال. فهذا الحسن بن علي (ت 50 هـ)، قال للحسين (قتل 61 هـ)، عندما سأله "مَنْ سقاك" السُّم"!، "ما تريد بذلك؟ فإن كان الذي أظنه فالله حسيبه، وإن كان غيره فما أحبُ أن يؤخذ بيَّ بريء" (مروج الذَّهب). ولا نفهم مِنْ دعاء "أهل الثغور" للسَّجاد سوى التَّعالي على الثَّأر، ومعلوم أن المرابطين عند الثُّغور هم قادة الجيش الأموي وجنوده. ليست حقيقة أن الإمامية يقولون بنَقص في القرآن. صحيح أن الكليني (ت 329 هـ)، أشار إلى ذلك في "الكافي"، لكن هل أخذ به علماء الشِّيعة! طبعاً لا. فهذا الشِّيخ كاشف الغطاء (ت 1954)، والشِّيخ المظفر (ت 1963 هـ)، وهما من أكابر علماء النَّجف قالا: "هذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزل على النَّبي، ومَنْ ادّعى غير ذلك فهو مخترق..." (أصل الشيعة وأُصولها، وعقائد الإمامية). أقول: أليس مِنْ القرآن: "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُم" (الأحزاب: 6)! أليست عائشة الزَّوجة الثَّالثة! بل ومِنْ ثوابت الإمامية: "أما نساء النَّبي فهنَّ أمهات المؤمنين، كما جاء التَّنصيص عليه في القرآن، فمَنْ استحل منهنَّ ما حرم الله فليس بمسلم، ولا مؤمن إطلاقاً" (القزويني، الشِّيعة في عقائدهم وأحكامهم)! تُصرف أموال طائلة لإيقاد الطَّائفية، فضائيات ومواقع تذيع الكراهية. ومحنتنا في هذا العصر أن مسلمي التَّاريخ يستخدمون الاختراعات العلمية للفتنة بالمستوى الذي تستخدمه الشُّعوب المتمدنة، مَنْ أجل إسعاد البشر لدفع كارثة عن الأرض، أو إيجاد بدائل للطَّاقة، على افتراض أن النَّفط سينضب في يوم آت. قال صاحب العِمامة علي الشَّرقي (ت 1964)، في المفارقة: "دع عنك مروان الحِمار... وخلِّ واقعة الجمل... للسِّع نعملُ دائماً.. والنَّحل تعمل للعسل" (الديوان). ومروان (قتل 132 هـ) هو آخر خلفاء بني أمية، لُقب بالحِمار لجلده. ما يُعلن اليوم مِنْ تكاره هو مِنْ المتخيل، بل حتى الشُّخوص التي يُختلف حولها، أجدها مصممة على مقاس التَّرويج للفتن. وإلا فعلي بن أبي طالب زوج ابنته من عمر بن الخطاب، وتبنى أخا عائشة، وتزوج ولده الحسين ابنة أخ عمر عاتكة بنت زيد بن الخطاب، وهي القائلة: "وا حُسينا! فلا نسيتُ حُسينا.." (الحموي، معجم البلدان). والشَّيء بالشَّيء يُذكر أن أول ضريح جُرف بنجد هو ضريح زيد بن الخطاب (السَّكاكر، الإمام محمد بن عبد الوهاب)، بمعنى أن ذلك تم لعقيدة دينية في القبور، بغض النَّظر عن صحتها أو خطأها، ليست موجهة ضد آل البيت، فاطمئنوا ليس هناك مخلوق يبغض علي وبنيه، إلا ما نسجته خيالاتكم. عدا هذا، إذا كنتم مصرين على تنفيذ ما حوته أضلعكم من بغض وكراهية فلا تنسوا أن السَّيدة عائشة ابنة خليفة وزوجة نبي وكفى.