يمثل "الأمن الغذائي" أحد الأهداف الاستراتيجيّة التي تسعى إليها دول العالم كلّها من دون استثناء، باعتباره أحد أركان "الأمن القوميّ" للدول. ورغم أن إلحاح قضية الأمن الغذائي عاملٌ مشترك بين دول العالم المختلفة، فإن درجة هذا الإلحاح تختلف بشكل كبير من دولة إلى أخرى، ويعتمد هذا الاختلاف على مدى قدرة الدولة على تحقيق أمنها الغذائيّ بالاعتماد على قدراتها ومواردها الذاتية، أو بمعنىً آخر مدى اعتماد الدولة على الأسواق الخارجية في تأمين احتياجاتها من السلع الغذائية. وتزداد درجة إلحاح قضية الأمن الغذائي إلى مستوياتها القصوى في الدول التي تستورد معظم احتياجاتها الغذائية من الأسواق الخارجيّة، وذلك كما هو الحال في دول "مجلس التعاون"، التي تستورد نحو 85 في المئة من احتياجاتها الغذائية من الخارج، وتنطبق هذه الحالة بالطبع على إمارة أبوظبي. ولعل وعي حكومة أبوظبي بهذه الحقيقة هو ما يدفعها إلى العمل من دون توقّف للوصول إلى مستويات مستقرة من الأمن الغذائي، وتأمين الإمدادات الكافية لسدّ احتياجات أسواقها المحلية من المواد الغذائية في الحاضر، وضمان استقرار هذه الإمدادات إلى أجل آمن في المستقبل، لتجنيب الأسواق أيّ أزمات محتملة في الاحتياجات الغذائيّة للمستهلكين، وما يتبعها من تأثيرات مثل ارتفاع الأسعار إلى مستويات غير حقيقيّة ربما تتناقض مع واقع الحال في السوق العالمية، واستغلال بعضهم ظروفاً كهذه في التلاعب بآليّات السوق. وفي هذا الإطار وافق "المجلس التنفيذيّ" في إمارة أبوظبي، مؤخراً، على استراتيجية شاملة للأمن الغذائي أطلق عليها "استراتيجية الأمن الغذائي والمخزون الاستراتيجي"، وهي الاستراتيجية التي سيشرف على تنفيذها "جهاز أبوظبي للرقابة الغذائيّة"، والتي ترسم بدورها الطريق الذي ستسير عليه إمارة أبوظبي خلال السنوات المقبلة في مسعاها نحو ضمان استقرار إمدادات السلع والمنتجات الغذائيّة اللازمة لتلبية احتياجات أسواقها المحليّة، عبر تنويع مصادر هذه الإمدادات بداية من إحداث زيادة تدريجية في إنتاج الإمارة من السلع والمنتجات التي يتم إنتاجها محلياً، والدخول في مشروعات وشراكات دوليّة لزراعة بعض المحاصيل في الدول ذات الموارد الزراعية الوفيرة في آسيا وإفريقيا، لتأمين جزء آخر من تلك الاحتياجات الغذائية، ومن ثمّ تنويع الأسواق الخارجية التي يتم استيراد باقي تلك الاحتياجات منها. وبجانب ذلك كلّه ضمان توافر مخزون استراتيجيّ من المواد الغذائية يضمن استقرار هذه الإمدادات في حال انقطاع الواردات الغذائية من الأسواق الخارجية، أو عدم استقرارها. وتسعى استراتيجيّة الأمن الغذائي لإمارة أبوظبي إلى الاستفادة من الفرص المتاحة كلّها أمام الإمارة لدعم أسس أمنها الغذائي، بفتح المجال للمؤسسات ذات الشأن المباشر بهذه القضيّة للتعاون مع القطاع الخاص، ما يتيح لها فرصة الاستفادة من المميزات التي يمتلكها هذا القطاع ولا يمتلكها القطاع الحكومي، وعلى رأسها الخبرة الكبيرة للقطاع الخاص في اختيار المشروعات الاستثمارية، ومن ثمّ تنفيذها، في الأسواق الخارجية، وسهولة حركته عند الدخول إلى تلك الأسواق والخروج منها، كما أن فتح الباب أمام القطاع الخاص للمشاركة في تنفيذ استراتيجيّة الأمن الغذائي هذه يسمح له بممارسة دوره كشريك حيوي في التنمية، بما يعود بالنفع في نهاية المطاف على اقتصاد إمارة أبوظبي بوجه عام، وعلى أوضاع أمنها الغذائيّ بشكل خاص، ويمثل خطوة جديدة على طريق التنمية الشاملة والمستدامة التي تستهدفها الإمارة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.