بعد مضي عشر سنوات على تعهد القادة الدوليين باستئصال ظاهرة الفقر المدقع المنتشرة في أوساط الملايين من غالبية شعوب الدول النامية والفقيرة، وكذلك تحقيق هدف توفير التعليم الأساسي لجميع أطفال العالم، فضلاً عن خفض معدلات وفيات المواليد والأطفال... وغيرها من العناصر الثمانية التي تشكل الأهداف الإنمائية الثمانية للألفية الجديدة التي أقرتها الأمم المتحدة -لا سيما تلك المتصلة منها بالنساء، فإنها لا تزال مجرد أمل بعيد عن منال المجتمع الدولي. فعلى الرغم من أن مسائل التنمية النسائية موضوع اهتمام رئيسي للمناقشات التي دارت في قمة الألفية في مقر الأمم المتحدة بنيويورك الأسبوع الماضي، غير أن التقدم الفعلي للمجتمع الدولي نحو الوفاء بالتزاماته فيما يتعلق بتحسين أوضاع النساء على المستوى العالمي، لا يزال محبطاً جداً. نشير هنا تحديداً إلى ضعف ما أحرزه المجتمع الدولي من تقدم فعلي نحو تحسين مستوى المساواة بين النساء والرجال، وإعطاء دور أكبر للمرأة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في مجتمعاتها، إضافة إلى خفض معدلات وفيات الولادة بين النساء بحوالي ثلاثة أرباع المعدل الحالي. فقد أشار تقرير صادر عن "الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة" في شهر يونيو المنصرم، إلى أن التقدم في تحقيق الأهداف الإنمائية المتعلقة بالنساء، لا يزال بطيئاً بدرجة كبيرة في جميع المجالات بلا استثناء: ابتداء بتحسين وتوسيع الفرص التعليمية للنساء، وتحسين مستوى تأهيلهن المهني، وصولاً إلى حقوقهن في صنع القرارات السياسية. وبينما أحرز تقدم نوعاً ما، في تسجيل المزيد من الفتيات في المدارس الابتدائية، فليس هناك سوى ثلاث مناطق جغرافية بين عشر مناطق على المستوى العالمي، تم فيها تأمين حقوق النساء ونصيبهن في الالتحاق بالعمل المدفوع الأجر. أما فيما يختص بتوسيع دور النساء في تمثيل مجتمعاتهن في عملية صنع التشريعات والقوانين الوطنية، فتتضاءل الأرقام كثيراً وتبقى بعيدة كل البعد عن تحقيق هدف التمثيل المتساوي للنساء في برلمانات شعوبهن. أما في مجال خفض معدل وفيات الولادة بين الأمهات، فلا يزال العمل مستمراً في جمع البيانات والمعلومات. ولكن المتوفر منها حتى الآن، يشير إلى بعد شاسع عن تحقيق هدف خفض معدل وفيات الولادة بين النساء بنسبة 5.5 في المئة سنوياً، حتى يصبح ممكناً الوفاء بهدف الألفية الإنمائي الرامي إلى خفضها بنسبة 75 في المئة بانتهاء مدة السنوات العشر المحددة لأهداف الألفية الإنمائية. وتشير المعلومات المتحصل عليها من عام 1990 إلى وفيات ولادة بين النساء يقدر عددها بنحو 430 حالة وفاة لكل مئة ألف حالة ولادة سليمة وحية. وحتى عام 2008 لم ينخفض ذلك المعدل إلا بنسبة طفيفة لا تذكر، إذ انخفض معدل وفيات الأمهات الناتجة عن الولادة إلى 400 حالة لكل مئة ألف حالة ولادة سليمة وحية، أي أن الانخفاض الذي تحقق طوال الفترة الممتدة من عام 1990 وحتى 2008 لم يزد عن 30 حالة فحسب. وبالطبع يصعب جداً وصف هذا الرقم الإحصائي الهزيل بأنه تقدم أو إنجاز يحسب للمجتمع الدولي ومؤسساته القائدة! وقد كشف الأمين العام للأمم المتحدة عن هذا القصور أثناء إطلاقه الأسبوع الماضي مبادرة أممية جديدة تبلغ تكلفتها 40 مليار دولار، خصصت لحفز الصحة النسوية قبل حثه لقادة العالم على تركيز اهتمامهم على النساء، باعتبار أن ذلك يمثل جزءاً من التزامهم بتنفيذ الأهداف الإنمائية الثمانية للألفية. وتهدف الجهود التي تقودها الأمم المتحدة في هذا الشأن، إلى توفير الموارد المالية اللازمة لتحقيق الهدف المنشود لها بحلول عام 2015. غير أن منظمات العون الدولي ترى أن مبلغ الـ40 مليار دولار الذي طالب بتوفيره الأمين العام للمنظمة الدولية، هو ليس سوى حزمة مالية قديمة لوعود وأهداف جديدة أعلن عنها مؤخراً. واحتجت المنظمات نفسها على الميزانية المعلنة بالقول إنه تم التعهد بنصفها تقريباً لمقابلة احتياجات أهداف وبرامج أخرى لا صلة لها بالنساء ولا بتحسين صحتهن. وقال ممثلو المنظمات المذكورة إن اللغة التي أعلنت بها المبادرة تبدو إيجابية على رغم كل شيء، بيد أن غياب تعهدات قوية واضحة بتوفير المبلغ الذي طالب به الأمين العام للمنظمة الدولية من قبل الدول المانحة، يعني عدم تصديق أي وعود بتوفيره حتى توضع اليد فعلياً على الدولارات الموعود بها. صحيح أن النساء حظين باهتمام كبير في قمة واجتماعات القادة الدوليين المعنيين بالمسائل الإنمائية. كما حظيت كذلك مسائل تحسين المستوى الاقتصادي والصحي للنساء باهتمام ملحوظ خلال الفترة القريبة الماضية، بيد أن مجرد الاهتمام وإدارة الحوارات العامة حول أوضاع النساء ليس لهما أن يغيرا من مستوى حياة المرأة وأوضاعها المعيشية في شيء. يجدر بالذكر أن تقدماً ما قد أحرز في مجال الاهتمام بالرعاية الصحية للنساء في مرحلة الحمل، لا سيما في منطقة شمال أفريقيا. وأشارت التقارير إلى حدوث تحسن بنسبة 70 في المئة في هذا النوع من الرعاية الصحية للأمهات الحوامل في المنطقة المذكورة. كما أشارت التقارير إلى حدوث تحسن مشابه في جنوبي وغربي آسيا، قاربت نسبته الـ50 في المئة. ولكن في المقابل، لم تحظ مجالات أخرى مثل الصحة الإنجابية إلا بدرجة أقل بكثير من الاهتمام والاستثمار فيها. وعلى سبيل المثال فقد انخفضت نسب تمويل برامج تنظيم الأسرة من 8.2 في المئة في عام 2000، إلى 3.2 في المئة بنهاية عام 2008. وأوضح تقرير الأمم المتحدة في هذا الصدد أن التمويل الخارجي لبرامج تنظيم الأسرة قد انخفض بدرجة كبيرة خلال السنوات الأولى من العقد الحالي، ولم يتمكن مطلقاً من العودة إلى معدلاته المرتفعة في عام 2001. ولا تزال أمام المجتمع الدولي خمس سنوات للوفاء بالتزاماته بالأهداف الإنمائية النبيلة التي حددها قادته عام 2000 بما فيها: توفير الرعاية الصحية والتعليم والفرص الاقتصادية المتكافئة لنصف سكان العالم، في إطار السعي لجعل عالمنا أكثر استقراراً وتقدماً وازدهاراً. جيل تزماتش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نائبة مدير برنامج "النساء والسياسات الخارجية" بمجلس العلاقات الخارجية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع "تريبيون ميديا سيرفيس"