ينساق البعض للأسف في سب شخصيات تاريخية لها احترامها وتقديرها لدى عامة المسلمين. فماذا يجني من يسيئ للسيدة عائشة رضي الله عنها، أو يلهج بكل ألفاظ البذاءة لآخرين يبعد تاريخ موتهم عن وقتنا الراهن بآلاف الأيام؟ الأمر لا يتعلق فقط بإثارة الفتنة وإشعال فتيلها بين المسلمين، بل أيضاً يتجاوزه ليُطرح تساؤل مُلح لماذا؟ وما هي الفائدة من أحاديث كهذه تسيئ إلى شخصيات رحلت عن دنيانا منذ قرون؟ المنطق هنا يقول إن مثل هذه الأحاديث لا تضيف بقدر ما تنتقص من صاحبها، وتضرم النار في خلافات لابد لها أن تخمد بدلاً من بعثها لتحيا بيننا. فالأمة الإسلامية اليوم في أمس الحاجة إلى تكاتف أبنائها، وإلى اتفاق ضمني يضمن الالتفات إلى قضايا مصيرية أهم بكثير من مهرجانات تقام لتوجيه النقد لشخصيات بارزة في التاريخ. وكم يفتقر إلى المسؤولية من يصدر أحكاماً كهذه في حق الآخر أياً كان منصبه السياسي. وعلى ذات الخط تهور أحدهم بتطاوله على مقام أم المؤمنين عائشة، وهذا تصرف يثير فتنة يصعب تجاوزها، أو اعتبارها لم تكن، وللأسف إنه إصرار على الإساءة من قبل بعض من يقدمون على مثل هذه السلوكيات الخطيرة. والغريب أن هناك منابر كل دورها هو كيل الشتائم للآخرين، وبالتالي الإصرار على صناعة مزيد من الفرقة بين أبناء البلد الواحد، وعلى تصدير فتنة طائفية لن يكسب منها أحد إلا التشرذم والكراهية. وإذا كانت نظرية المؤامرة كما يتهمها البعض بالشماعة، فإنها تطل بقوة على أحداث من هذا النوع، وإلا من المستفيد من كل هذه الفتنة، ومن الرابح من وراء هذا التعامل غير الراقي بين أبناء الشعب ذاته. ولمصلحة من تأتي مثل هذه التصرفات، وهذه الزعزعة لدول آمنة لأبعد مدى، السكوت هنا قد يكون الحل الأمثل، وقد يكون أيضاً تخاذلاً يعلن موافقة ضمنية على مثل هذا التوجه في تحوير الحقائق وقلبها وتحقيق نتائج ينتظرها البعض ليتم الانقضاض على المنجز الحضاري لهذه الدول. التعدي على الشخصيات والرموز يعكس بالضرورة حالة ضعف يعاني منها من يقدم على هذه الفعلة النكراء، ويأتي بنتائج عكسية غير التي يرجوها صاحبها، لأنه لا احترام هنا لقائل مثل هذه الألفاظ، بل مما لا شك فيه أنه سينال ازدراء وفقداً مطلقاً للمصداقية. ولا يقول هذه الأقاويل إلا ضعاف النفوس، أصحاب الهمم المتخاذلة، والذين لم يتقنوا بعد فن التعامل مع الآخرين، وكيفية اكتساب الاحترام من الجميع. وليس الاحترام فقط ما فقدوه إنه أيضاً التسبب في الخراب والرفض لهم حتى ولو كرروا إدعاءاتهم.