استقبل التوجه نحو المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية الحالية، وهي أول مفاوضات مباشرة منذ حوالي عشر سنوات، لدى العديد من المراقبين بتفاؤل مفرط، في ضوء حقيقة أن استئنافها يشكل بحد ذاته إنجازاً ملموساً لأوباما وإدارته. وقد احتاج الأمر بالطبع إلى دبلوماسية معمّقة حتى يتسنى الوصول إلى هذه المفاوضات المباشرة وإطلاقها. وقد عبّر كل من الفلسطينيين والإسرائيليين عن رضاهم عن الجولة الأولى من المحادثات في واشنطن، وبدا الشعور العام للوفد الفلسطيني بالذات وقد تحسّن إلى درجة كبيرة عند مغادرته العاصمة الأميركية. وبعد الجولة الثانية من المفاوضات في مصر أطلق المسؤولون الأميركيون، بمن فيهم أوباما وهيلاري كلينتون وميتشل تعليقات متفائلة. وقد تركّز الانتباه بشكل عام على المعوقات الواضحة أمام تحقيق اتفاقية: قيادة سياسية ضعيفة على الجانبين، ومعارضة محلية قوية، وانعدام ثقة محلي بين الطرفين، وقضية توسّع المستوطنات التي لم يجرِ حلها بعد، والأعقد من ذلك كله، خلافات تبدو مستحيلة الحل حول قضايا الوضع النهائي الرئيسية، بما فيها الحدود وحق اللاجئين في العودة ووضع القدس والأمن. وتبقى قضية القدس بالذات عقبة حقيقية، حيث يصرّ عدد من أعضاء البرلمان الإسرائيلي على أن السيطرة على القدس ليست قضية مطروحة للتفاوض، بينما لا يقبل الفلسطينيون أية اتفاقية لا تعطيهم عاصمة في القدس الشرقية. وسيكون من الصعب جدّاً حل جميع هذه القضايا، ولكن من المبكّر بالتأكيد أن يُحكَم على المفاوضات بأنه لا طائل من ورائها أو أنها آيلة إلى الفشل لمجرد أن التوصل إلى اتفاق سيكون مؤلماً ومعقداً. لقد كان التشاؤم في العديد من الحالات نتيجة للتركيز فقط على المعوقات بدلاً من الحوافز الممكنة للتوصل إلى الاتفاق على الجانبين. وبالمثل، سيطر تفاؤل لا مبرر له كذلك في بعض النواحي مع استمرار المحادثات، على رغم انعدام أية إنجازات راسخة حتى الآن. وقد دفع المشهد السياسي المثير للإعجاب الذي نظمه البيت الأبيض بعض المتشائمين المعروفين، بمن فيهم المفاوض الأميركي المخضرم آرون ديفيد ميللر، لأن يخفف من رفضه القاطع لإمكانية تحقيق شيء في عملية السلام. ويبدو أن إصرار الإدارة الأميركية الذي لا يلين، مضافاً إليه وجود قادة فلسطينيين وإسرائيليين يصرون على إمكانية التوصل إلى حل، قد فاز مؤقتاً على الأقل على تشاؤم بعض المتهكّمين. وإضافة إلى ذلك، هناك إثباتات على فاعلية التأثير الأميركي على الأطراف المختلفة. فالإسرائيليون لم يسمحوا لمقتل أربعة مستوطنين قرب الخليل على يد أفراد من "حماس" عشية بدء المفاوضات بأن يؤدي إلى الانسحاب منها. وكذلك لم يثر الفلسطينيون لا الهجوم على أسطول الحرية في مايو الماضي ولا قضية المستوطنات الخلافية، كسبب للامتناع عن الحضور. ويشكل مجرد استمرار المحادثات في وجه صعوبات خطيرة كهذه شهادة على عزيمة المتفاوضين وتأثير الولايات المتحدة، وتردد الفلسطينيين وإسرائيل العميق في تحمل تبعات أن توجَّه اللائمة إليهم في الفشل. وفي المحصلة لن يجد المتشائمون والمتفائلون شيئاً حدث حتى الآن في المفاوضات يتحدى بشكل خطير أيّاً من افتراضاتهم. ولكن يتعين على المتشائمين أن يتذكروا أنه إذا أريد لنا في يوم من الأيام أن ننجح في مفاوضات تؤدي إلى اتفاقية سلام، فلا مناص لها من أن تبدأ بشكل متواضع، وبطريقة التدرج والخطوة.. خطوة كهذا. حسين إيبش زميل بفريق العمل الأميركي من أجل فلسطين ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"