مؤشر مرتفع لمخاطر الهجمات الإرهابية... وسقف منخفض لقمة "أهداف الألفية" استمرار معركة تعديل سن التقاعد بين ساركوزي والنقابات، ومخاوف من استهداف "القاعدة" لفرنسا، وسقف توقعات منخفض لقمة الأمم المتحدة حول أهداف الألفية للتنمية. تظاهرات ضد "التقاعد" ما زال التجاذب الحاد بين الحكومة الفرنسية والنقابات على خلفية قضية تعديل سن التقاعد، هو حديث الساعة والعنوان الأبرز في افتتاحيات الصحف الباريسية، خاصة مع عودة النقابات لتسيير التظاهرات الاحتجاجية في مختلف المدن. في افتتاحية صحيفة "لومانيتيه" تساءل الكاتب باتريك آبل- مولر عن الأفق الذي ستتكشف عنه حالة الاحتقان الاجتماعي الراهنة، مشيراً إلى قول ساركوزي إنه ينبغي سحب مشروع القانون الخاص بتعديل سن التقاعد فقط عندما يصل عدد المتظاهرين في الشوارع 3 ملايين، ومع ذلك قدم للتصويت عليه في الجمعية الوطنية! مع أن هنالك فعلاً من يتساءل إن كان العدد وصل اليوم إلى ذلك الرقم، مع احتمال تجاوزه في المستقبل القريب! ولاشك أن حجم التعبئة شديد التعبير، وكلما ازداد زخم حركة الاحتجاج العامة، ستجد نظام الحكومة نفسها في موقف أضعف، وخاصة أن عقارب الساعة تضخ عواصف قوية في الأشرعة المضادة لأجندتها. والسبب في ذلك معروف, فعدم توازن مشروع التعديل وافتقاره للعدالة واضحان في أعين الأجراء. والحاصل من كل هذا، يقول الكاتب، أن فرصاً ذهبية تنفتح الآن أمام "اليسار" الفرنسي، من أجل الدعوة لنظام اجتماعي جديد أكثر عدالة. غير أن زعامات اليسار التقليدي لا تبذل الآن الجهد الكافي لانتهاز هذه الفرص، بدليل تعبير ثلثي الفرنسيين في استطلاعات الرأي العام عن شكهم في قدرة الحزب الاشتراكي على التراجع عن قانون تعديل سن التقاعد، إن هو نجح في رئاسيات 2012. وعلى ذكر استطلاعات رأي الفرنسيين توقف الكاتب آلان جوفرين في افتتاحية صحيفة ليبراسيون أمام دلالات استطلاع رأي أجري موخراً وعبر فيه 45 في المئة من أفراد العينة عن امتعاضهم من الأحوال الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، مؤكدين على اعتقادهم بأن ظروف الأزمة الاقتصادية لا يتم اقتسام تحمل أعبائها بشكل عادل بين مختلف الفئات. وفي المقابل قلل "إيف تريّار" في افتتاحية لوفيغارو من قيمة ما تردده صحافة اليسار حول حجم التظاهرات وقدرة النقابات على حشر الحكومة في الزاوية الحرجة، معتبراً أن سخونة الشارع الراهنة، والمرشحة للتزايد، شيء طبيعي، ومتعارف عليه ضمن تقاليد الحركة النقابية الفرنسية، غير المتوافقة عادة مع الحكومة. ويمكن القول إن المهمة قد اكتملت، أو تكاد، فيما يتعلق بمعركة تعديل نظام التقاعد. وأما ما يتمناه البعض الآن من تصعيد متواصل لحالة لي الأذرع الراهنة بين الحكومة والنقابات فالأرجح أن شروط انفجاره لم تحتشد في الأفق بعد. وأهم من هذا كله أن الأطراف الرافضة لتعديل سن التقاعد، وهي للتذكير اليسار الاشتراكي والنقابات، ما زالت هي أيضاً لم تقنع الفرنسيين بأن في جعبتها بديلاً واضحاً لما تريد الحكومة إنجازه. خطر "القاعدة" في فرنسا حالة التعبئة الأمنية المحسوسة هذا الأسبوع في بعض المدن الفرنسية تحسباً من أي عمل إرهابي استقطبت اهتمام معظم كتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية، وخاصة الصحف الإقليمية. في افتتاحية "لامونتان" استعرض الكاتب "كزافييه بانون" بعض مسارات الجماعات الأصولية في المغرب العربي مشيراً إلى المخاطر التي يمثلها تمدد نشاطها الآن إلى منطقة الساحل الإفريقية، والتهديد الجدي الذي تمثله على أمن فرنسا نفسها. ويذهب الكاتب إلى أن حجم المخاطر الإرهابية الماثلة اليوم في منطقة الصحراء الكبرى والساحل إنما تؤكد أن الاستجابات والاستراتيجيات السابقة التي تم تبنيها لمكافحة الإرهاب في تلك المنطقة لم تكن فعالة، وهو ما يقتضي ضرورة إعادة التفكير في سبل جديدة، بالتعاون مع دول المنطقة نفسها. وبالنسبة لفرنسا بصفة خاصة يتعين بذل كل ما يلزم من جهد للدفاع عن مصالحها الحيوية هناك وفي مقدمتها تأمين إمدادات اليورانيوم. وذات الشيء يصدق أيضاً على الولايات المتحدة، المعنية هي الأخرى بالدفاع عن مصالحها وأمنها القومي. ولاشك أن تحدي تنامي المهددات الإرهابية في تلك المنطقة الإفريقية يفرض اتباع استراتيجية جديدة أكثر شمولية، بدلاً من الاكتفاء بالرد بالتقسيط على كل هجوم أو ضربة. وأثناء ذلك لابد من العمل على تجنب الأخطاء التي وقعت في العراق وأفغانستان، لأن نتائجها تُرى الآن بالعين المجردة. ومن جانبه تساءل الكاتب هوبير كوديرييه في افتتاحية "لوتلغرام" إن كانت سياسة عدم التدخل التي اتبعها شيراك تجاه حرب العراق قد "أمَّنت" بالفعل فرنسا من تهديدات "القاعدة" خلال السنوات الماضية؟ وهو سؤال يحيل إلى سؤال آخر: هل للتحول الجذري الذي أجراه ساركوزي على سياسة باريس الخارجية دخل في وضع فرنسا ضمن دائرة استهداف أتباع بن لادن في المغرب العربي، الذين يسمون أنفسهم "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي"؟ وإذا أضفنا إلى ذلك قضايا منع الحجاب (وإن كان ذلك تم في عهد شيراك)، والتقارب مع إسرائيل، ودعم الالتزام في أفغانستان، فهل يمكن القول إن كل الظروف والشروط قد اجتمعت لجعل فرنسا كبش فداء للاستهداف في أعين الحركات الأصولية الإسلامية؟ وينتهي "كوديرييه" إلى أن ما يمكن قوله في الظرف الراهن هو أن حدود إرهاب "القاعدة" في المغرب العربي ما زالت حتى الآن في سياق فضاء الصحراء والساحل، كما أظهرت ذلك بوضوح عملية اختطاف الرهائن الفرنسيين الأخيرة في النيجر. ولكن هذا لا يعني أيضاً عدم وجود رغبة لدى "كتائب" ذلك التنظيم في إلحاق الأذى بفرنسا، وخاصة بعد عملية الهجوم غير الناجحة التي شنتها مع الموريتانيين من أجل تحرير الرهينة الفرنسي ميشل جيرمانو، الذي قتل بعد ذلك. الفقر وأهداف الألفية اعتبر الكاتب "غوييوم غوبير" في افتتاحية "لاكروا" أن نبرة التشاؤم التي يسعى البعض لسحبها على الأجواء العامة لاجتماعات قمة أهداف الألفية الدائرة هذه الأيام في نيويورك لا ينبغي مع ذلك أن تحجب عن الأنظار حقيقة أن بعض التقدم تحقق بالفعل خلال السنوات الماضية فيما يتعلق بجهود تطويق الفقر والفاقة على صعيد عالمي. صحيح أن الأجواء العامة، كما يتعلل البعض، أجواء أزمة، ومن ثم فإن الدول الغنية تريد ألا يطلب منها الكثير في مجال المساعدات الإنمائية، ولكن هنالك فعلاً تقدماً دوليّاً ملموساً حصل في مجال مكافحة الفقر ولا أدل عليه من كون دول كبيرة كانت تعتبر حتى أمس القريب مراتع مستدامة لأشد أشكال الفقر باتت اليوم دولاً ذات اقتصادات صاعدة، والإشارة هنا إلى الصين والهند والبرازيل التي أصبح في مقدورها مد يد المساعدة في مجال التنمية للدول الأخرى الفقيرة. غير أن هذا لا ينفي، في المقابل، أنه ما زال في الانتظار الكثير مما ينبغي تحقيقه من أجل رفع شبح الفقر والجوع والمرض عن المجتمع الإنساني بصفة عامة. ولعل أول ما يتعين على الدول الغنية المبادرة به اليوم، على طريق إنجاز أهداف الألفية هو شطب الديون التي تثقل كواهل الأمم الأكثر فقراً. وهنا ينبغي التذكير بأن البنوك التي تلقت أموال الدعم التي أنقذتها من الانهيار سنة 2008 بدأت الآن تسدد الأموال العامة التي تلقتها، وستكون هذه فرصة ثمينة لإعادة تدوير اتجاه تلك الأموال التي بدأت تتراكم في خزائن الدول الغنية. وفي افتتاحية ثانية كتبها جان- إيمانويل ديكوين في صحيفة "لومانيتيه" قال إن خطاب الفزع الذي تثور موضته من حين لآخر منادية بضرورة إنقاذ هذا الكوكب، إنما يخفي ما هو أخطر بكثير، حيث إن ما يتعين إنقاذه في المقام الأول هو الوجود الإنساني نفسه، إذ كيف يمكن تصور أن تمتلك الأمم الصناعية الغنية التي لا يتعدى عدد سكانها 10 في المئة من سكان العالم 80 في المئة من ثروات هذا الكوكب؟ وكيف يعقل ألا يمتلك نصف أفراد البشرية الأقل فقراً سوى 1 في المئة فقط من هذه الثروات؟ إن هذا هو ما ينبغي أن يضعه القادة المجتمعون تحت سقف الأمم المتحدة على طاولة البحث والنقاش. ولنكن صرحاء وواضحين، يقول الكاتب، لكي نعترف بأن أي أمل لن يلوح في الأفق ما لم تتغير قواعد لعبة الحكامة الدولية، حتى لو اقتضى ذلك ظهور أمم متحدة أخرى قادرة على إعادة توزيع الثروات على صعيد كوني. وفي الختام يستدعي الكاتب، مدللاً على صحة رأيه، تعبيراً مأثوراً لمانديلا يقول: "طالما ظل هنالك فقر، فعلى الحرية السلام". إعداد: حسن ولد المختار