لا تزال المظاهرات الاحتجاجية تتواصل في كشمير على رغم تزايد المساعي التي يبذلها القادة السياسيون الهنود من أجل التوصل إلى حل يساعد على وضع حد لموجة العنف، وتهدئة الشعب الكشميري. والحقيقة أن الأزمة قد تعمقت كثيراً الآن ولم تشهد أي تراجع منذ بداية الاضطرابات السياسية بالإقليم في شهر يونيو المنصرم. ومما ساعد على تصاعد المظاهرات الشعبية هذه، نزول أعداد متزايدة من الشابات الكشميريات كل يوم إلى الشوارع من أجل المشاركة في حملة الاحتجاجات الشعبية ضد تشديد سيطرة الجيش الهندي على الإقليم. وأكثر ما يزيد القلق على تصاعد العنف اليومي، ارتفاع عدد القتلى إلى ما يتجاوز المئة قتيل خلال أقل من مئة يوم على بداية الأحداث. وبسبب هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى -الذي يقدر بنحو بضع مئات- فقد سلط اهتمام المجتمع الدولي على إقليم كشمير مجدداً. يذكر أن عقوداً قد مرت على الإقليم لم يشهد خلالها استمرار المظاهرات الاحتجاجية العنيفة حتى في أيام عيد الفطر، مثلما حدث هذه المرة. فقد خرج موكب احتجاجي شعبي كبير عقب أداء المصلين لصلاة العيد، أشعلت خلاله النيران في عدد من المباني الحكومية. وخلال الاضطرابات هذه ظل كبير وزراء حكومة الإقليم عمر عبد الله غائباً عن المشهد ولا حضور له البتة، بينما يواصل الإقليم حرائقه ودماره. وفي حين وجهت الحكومة الفيدرالية في نيودلهي خطاباً انتقادياً حازماً لسلبية كبير وزراء الإقليم، يلاحظ أن حزب المؤتمر الحاكم لا يزال يواصل تأييده له. فمن بين آخر الذين أعربوا عن مساندتهم لعمر عبد الله، السيد راهول غاندي، الأمين العام لحزب المؤتمر، مع العلم أنه يعد بمثابة رئيس الوزراء الهندي القادم. وضمن ما قاله السيد راهول للتخفيف من حدة الانتقادات الموجهة إلى كبير وزراء كشمير، إن مهمته صعبة ولا بد من إعطائه بعض الوقت للقيام بعمله في الإقليم. ولكن ربما كان المزيد من الوقت هو آخر ما يمكن أن يكون مطلوباً في مواجهة تصاعد العنف الكشميري في حقيقة الأمر. ذلك أن المطلوب من الحكومة أن تتحرك بأقصى سرعة ممكنة منعاً لتصاعد العنف إلى مستوى أشد خطورة، وقبل أن يشعر الكشميريون بأنهم أصبحوا معزولين عن بقية وطنهم الهند. وعلى رغم التأييد الصريح الذي عبر عنه حزب المؤتمر الحاكم لكبير وزراء الإقليم، فهو يبذل مساعي في ذات الوقت من أجل الوصول إلى زعماء قادة المعارضة الكشميرية. وضمن تلك الجهود عقد اجتماع لجميع الأحزاب بشأن كشمير خلال الأسبوع الحالي في العاصمة نيودلهي، بهدف مناقشة الأزمة الحالية وبغرض التوصل إلى إجماع سياسي على خطة للتقدم نحو تجاوز الأزمة المتصاعدة. ولكن المؤسف أن الاجتماع لم يتوصل إلى أي إجماع على خفض عدد القوات المسلحة في الإقليم، ولا على الحد من صلاحيات وسلطات الجيش في الإقليم، وهما القضيتان الأكثر إلحاحاً وحاجة للاتفاق السياسي عليهما. ولكن لم تسفر أربع ساعات من التداول المستمر حولهما في مبنى البرلمان بين جميع الأحزاب الهندية الرئيسية عن شيء، بل أخفقت القوى السياسية المجتمعة في التوصل لأدنى اتفاق عليهما. والقرار الوحيد الذي نجح الاجتماع المذكور في اتخاذه، هو إرسال وفد حزبي مشترك إلى كشمير للاطلاع الميداني على الموقف. كما اتفق القادة السياسيون على أن يلتقي الوفد الحزبي بجميع الأطراف الممثلة للمجتمع الكشميري والتعرف إلى آرائها. ولكن ليس مرجحاً لهذه الخطوة الاستطلاعية أن تحدث أي تغيير يذكر في الأزمة الحالية. ذلك أن مجرد زيارة ميدانية من ساسة نيودلهي للإقليم، لا تمثل استجابة ملائمة للأزمة، ولا تغني الحكومة المركزية عن اتخاذ الخطوات الفاعلة اللازمة، التي تؤكد لمواطني الحكومة جدية نيودلهي إزاء حل الأزمة، وحرصها على تحسين مستوى حياة مواطني الإقليم. وفي الاجتماع الحزبي المذكور، خاطب رئيس الوزراء مانموهان سنج جميع الأفراد والجماعات التي تنادي بحل سلمي للنزاع. ولكنه أكد في الوقت نفسه أن أي حوار يتعلق بمشاكل الإقليم لا يمكن إجراؤه إلا عقب نهاية موجة العنف هذه. وفي غضون ذلك ازداد الموقف في كشمير تأزماً إلى درجة دعت زعيمة حزب كشمير الديمقراطي، "محبوبة مفتي"، جميع الأطراف إلى وقف موجة العنف. وفي الوقت نفسه أكدت مطالبة حزبها بخفض عدد أفراد الجيش في كشمير، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين. كما طالب فاروق عبد الله. زعيم حزب "المؤتمر الوطني"، الذي حضر اجتماع الأحزاب السياسية بنيودلهي، بخفض صلاحيات الجيش الهندي في الإقليم، وإن كان ذلك جزئياً. وفي حين أيدت الأحزاب "اليسارية" هذه المطالب، يلاحظ أن حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي الوطني المعارض وحلفاؤه أعربا عن رفضهما لاتخاذ أي خطوة حكومية من شأنها إضعاف الروح المعنوية للجيش الهندي على حد وصفهما. كما أكد الحزب معارضته لمطالبة مواطني الإقليم بالحكم الذاتي قائلاً إن في الإمكان إجراء حوار عن الإقليم في إطار الدستور، ولكن بشرط أن يتعهد الكشميريون بنبذ العنف وعدم اللجوء إليه لحل مشكلتهم السياسية. هذا ويجب القول إن انقسام الرأي بشأن خفض صلاحيات الجيش في الإقليم لا يقتصر على الأحزاب السياسية وحدها، إنما هو كذلك في صفوف الحكومة المركزية نفسها. فقد انتهى اجتماع للجنة الأمن التابعة لمجلس الوزراء إلى طريق مسدود، بعد أن عارض وزير الدفاع إي. كي. أنتوني اقتراحاً بخفض صلاحيات الجيش في كشمير. وعليه، فإنه ليس مرجحاً بعد التوصل إلى أي إجماع سياسي على هذه المسألة المهمة، في المستقبل القريب. وفي الوقت ذاته، يتوقع لموجة العنف هذه أن تتصاعد أثناء زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الهند في شهر نوفمبر المقبل، وهي الزيارة التي ستمنح الزعماء الانفصاليين الكشميريين فرصة ذهبية لاختطاف الأضواء العالمية، وتسليط الاهتمام الدولي على مطالبهم.