يجتاح التطرف المجتمع الإسرائيلي الذي بات يميل نحو أفكار اليمين الديني (والقومي بدرجة أقل) حتى باتت العقيدة الدينية الأكثر تأثيرا على توجهات الأحزاب والنخب السياسية في الدولة الصهيونية. فاستطلاعات الرأي العام الإسرائيلي تؤكد أن العقيدة اليهودية أضحت المحرك الأول لإسرائيل، تليها المصالح السياسية، حيث ترسخت عقيدة ما بات يعرف بـ"أبدية الصراع مع العرب". ووفقاً للكاتب الإسرائيلي "عوزي بنزيمان"، فإنه وبناء على هذه العقيدة، "ليس هناك احتمالية للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين لأن كراهيتهم لإسرائيل بلا حدود، وأنه إذا انسحبت إسرائيل من الضفة فسيهاجمها الفلسطينيون من قلقيلية ونابلس، وإن ساهمت إسرائيل في إقامة الدولة الفلسطينية فسيثور ضدها فلسطينيو 48 حيث سيطالبون بالتخلي عن الطابع اليهودي للدولة". وفي هذا السياق، يستخلص خبير استطلاعات الرأي الإسرائيلي البروفسور "رافي سميث" أن الجمهور الإسرائيلي "يتجه نحو معسكر اليمين، وسيتزايد التأييد لأحزابه في المعارك الانتخابية المقبلة أكثر فأكثر وذلك على عكس الوضع في العالم الغربي". ويصل الخبير الإسرائيلي إلى تلك النتيجة بناءً على استطلاع أجري قبل حوالي شهرين، بيّن أن التأييد لأحزاب اليمين بين الشبان حتى سن 29 عاماً ارتفع إلى 61 في المئة بينما التأييد لهذه الأحزاب بين اليهود فوق سن 30 عاماً بلغ 35 في المئة. وفي استطلاع ثان للرأي العام الإسرائيلي أجراه معهد "داحف"، أكد معظم المستطلعين (56 في المئة) أن نتنياهو غير جاد في نواياه حيال التوصل لاتفاق، وبأنه يخوض المفاوضات بسبب الضغوط الأميركية، فيما طالب 51 في المئة باستئناف البناء "الاستيطاني" (الاستعماري)، في وقت أكد 71 في المئة عدم قناعتهم باحتمالات التوصل لاتفاق في إطار المفاوضات التي يجريها نتنياهو مع الفلسطينيين. وبالمقابل، أظهر استطلاع ثالث، أجرته جامعة تل آبيب و"المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، أن 54 في المئة من الإسرائيليين يعتبرون دولتهم معزولة عالمياً، و56 في المئة منهم يعتقدون أن العالم كله يكرههم. وفوق ذلك، أظهر استطلاع رابع أجرته قبل نحو أسبوع شركة "بانوراما" المستقلة لصالح القناة الأولى للتلفزيون الرسمي الإسرائيلي، أن اليمين الحاكم في إسرائيل سيزداد قوة بشكل كبير، خصوصاً "الليكود" بقيادة نتنياهو حيث سيرتفع بنسبة 15 في المئة إذا ما جرت الانتخابات العامة اليوم، وذلك رغم إخفاقات الحكومة في عدة مجالات. وأكد الاستطلاع أن "الليكود" سيحصل فيما لو جرت الانتخابات الآن على 31 مقعداً (27 حالياً)، بينما ستحصل أحزاب اليمين المتحالفة معه على 68 مقعداً (مقابل 61 لها اليوم). وهذا لا يشمل حزب اليمين المتطرف "الاتحاد القومي" الموجود في المعارضة وله اليوم 4 مقاعد، ويتنبأ الاستطلاع بمحافظته على قوته. هذا الحال، يعني أن نتنياهو يستطيع تشكيل حكومة يمينية متطرفة فقط بأحزاب اليمين ويستطيع التنازل عن التحالف مع حزب "العمل" (الذي هبط في الاستطلاع من 13 مقعداً له اليوم إلى 8 مقاعد)، وكذلك عن حزب "كاديما" الذي أشار الاستطلاع إلى هبوطه من 28 إلى 25 مقعداً. وحين سئل أفراد الجمهور عن رأيهم في المرشحين لرئاسة الحكومة في الانتخابات القادمة، قال 49 في المئة إن نتنياهو هو المرشح الأفضل، تليه ليفني بعيداً جداً عنه (28.5 في المئة). وفي مقال لها بعنوان "فقدان الأمل"، كتبت "سيما كدمون" في "يديعوت أحرانوت" تقول: "التشاؤم العميق ستكون عبارة غير معبرة هذه السنة كي نصف مواقف الجمهور الإسرائيلي الذي فقد ثقته بنوايا نتنياهو، وفقد الثقة بقدرة أبومازن وبنواياه في أن يكون شريكاً، فقد الثقة في السلام. والأسوأ هو فقدان الأمل". وتفسر الكاتبة نتائج استطلاع معهد "داحف"، وتقول: "48 في المئة يعارضون مقابل 45 في المئة يؤيدون تسوية سلمية مع الفلسطينيين يعترفون فيها بإسرائيل كدولة يهودية، وإسرائيل تتنازل عن معظم المناطق في الضفة الغربية، حيث تبقى الكتل الاستيطانية في أيدينا. منذ متى مثل هذه الخطة لم تكن مقبولة من الجمهور، منذ متى لم نشتر خطة كهذه بكلتا يدينا"؟ وتضيف: "لعل السبب هو أن 36 في المئة من الجمهور فقط يؤمنون بأن نتنياهو جدي في نوايا التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين". وتختم بالقول: "وإذا كان هذا هو الحال، وعلى أي حال لا أمل في التسوية، فلماذا نواصل الجدالات الداخلية عن تجميد البناء، لماذا نحطم الرأس بحثاً عن الحلول الوسط، وعن تهدئة الخواطر. فرغم أن الأغلبية الساحقة تعتقد بأن استئناف البناء في الوقت الذي تعقد فيه المحادثات سيفجر هذه المحادثات، فإن هذه الإمكانية ما تزال مقبولة لأكثر من نصف الجمهور! فماذا حصل لنا؟ ومتى أصبحنا هكذا عديمي الثقة؟". أما "نحاميا شترسلر" فتطرح في مقال بعنوان "من بوش إلى نتنياهو"، في صحيفة "هآرتس"، وجهة نظر لعلها تكون مقبولة عند الكثيرين، حيث تقول: "بعد وقوع الكارثة في حرب أكتوبر 1973، وافقت إسرائيل على اتفاق السلام مع مصر رغم أن السادات اقترح على غولدا مئير اتفاقاً مشابهاً قبل ثمانية أشهر على الحرب. ثم وافق رابين على مصافحة عرفات وعلى توقيع اتفاق أوسلو بعد الانتفاضة الأولى فقط. وأتى الانسحاب من غزة على إثر الانتفاضة الثانية وصواريخ القسام على سديروت. لهذا ليس هناك احتمال أن يتوصل نتنياهو إلى اتفاق على (دولتين للشعبين) مع عباس، لأنه من أجل إنهاء الصراع سيضطر نتنياهو إلى افتعال أزمة صغيرة. سيضطر إلى إزالة المستوطنات، والانسحاب من أكثر مناطق الضفة، والمصالحة على القدس. لكن نتنياهو لن يفعل كل ذلك لأنه يعرف جيداً قانون الكارثة. يعلم أنه لن يستطيع أن يبرهن لأكثرية الشعب أن أعماله منعت كارثة في المستقبل. لهذا سيتلقى هجمات من كل صوب حتى يتعرض كرسيه للخطر. إذا كان الأمر كذلك، فمتى سنستطيع التوصل إلى اتفاق؟ بعد أن تحل الكارثة فقط. بعد عملية استراتيجية أو حرب أخرى فقط. آنذاك فحسب سيستطيع الساسة من الجانبين الجلوس والتوقيع على تنازلات مؤلمة. وآنذاك فقط سيتفهم الشعب ويقبل"! ختاماً، إسرائيل قائمة على منطق القوة والعنصرية والاستعمار، حتى فقدت قدرتها على التحول إلى دولة متوازنة. وعن هذا يقول أري شفيت" إنه إذا استمرت المسارات الحالية فـ"ستفضي إلى انفجار. ولا يعلم أحد متى سيحدث الانفجار وأين. لكن إن عاجلا أو آجلا، في الجنوب (قطاع غزة) أو في الشمال (لبنان)... سيقع ذلك الحدث الذي يصدع الجليد الدقيق الذي نسير عليه جميعاً. ومع عدم وجود مبادرة سياسية إسرائيلية تصد الاتجاهات الحالية، سيأتي السقوط حتماً. إن المفترق الذي يقف عنده رئيس الحكومة إما إلى هنا وإما إلى هناك"!