تعززت مواقع الحزب الجمهوري عقب انتخابات الكونجرس التمهيدية، غير أنها لا تزال مهتزة وغير مأمونة. ذلك أن الحزب يستفيد من الزخم السياسي الذي تحدثه حركة "حفلات الشاي"، لكنه يتأذى من الانتصارات الانتخابية التي يحققها مرشحو الحركة. فهي بصفتها جزءاً من تحالف سياسي محافظ مع الجمهوريين، تعمل على تمكين الحزب وتعزيز موقفه الانتخابي، لكنها قادرة في الوقت نفسه على إقصاء الكثير من الناخبين عنه. وتتلخص المعضلة الرئيسية التي يواجهها الجمهوريون في جهلهم بالمدى الذي يمكن أن تؤثر فيه حركة حفلات الشاي على مصيره الانتخابي. غير أن المعركة التمهيدية لولاية دلوير حسمت احتمالاً ممكناً لهذا التأثير. فهناك صوت الناخبون لصالح النقاء الأيديولوجي وحده، على حساب أي اعتبارات أخرى، بما فيها قدرة المرشح على الفوز والانتخاب. وبالنتيجة فقد خسر الجمهوريون فرصة ذهبية للفوز بمقعد من مقاعد مجلس الشيوخ في تلك الولاية التي تعرف بهيمنة الحزب الديمقراطي عليها. وأشارت نتائج آخر استطلاعات الرأي هناك إلى أن نسبة 31 في المئة فحسب من ناخبي الولاية تعتقد أن مرشحة الحزب الجمهوري كريستين أودونيل تعد مرشحة ملائمة لتولي منصب حكومي. غير أن موسم الانتخابات التمهيدية كشف عن قصص أخرى أيضاً. فقد أظهر فوز المرشح الجمهوري جون ماكين على منافسه جي. دي. هيورث عن أن "حفلات الشاي" ليس بوسعها توفير الضمان اللازم لفوز المرشحين غير المؤهلين. وفي عدد من الولايات تمكن مرشحو التيار الرئيسي المحافظ من التغلب على منافسيهم من مرشحي حفلات الشاي، ومضوا في طريقهم مدفوعين برياح سياسية قوية كانت تهدد مصير المرشحين المحافظين حتى وقت قريب جداً. لكن في الوقت نفسه تمكن بعض أبطال الحركة -ومن بينهم ماركو روبيو- من الظهور بمظهر المرشح القوي جداً إلى درجة ترشحه لأن يصبح نجماً جمهورياً لامعاً. وهكذا يمكن القول بأن المشهد السياسي مختلط جداً الآن. فمن كان يعتقد قبل عامين وفي عشية انتخابات عام 2008، أن تتحول حركة حفلات الشاي -القاعدية الشعبية- هذه إلى إحدى أقوى الحركات السياسية المؤثرة في أميركا، وأن تقدم كل هذا الدعم السياسي للحزب الجمهوري، إلى درجة تمكنه من استعادة هيمنته على مجلس النواب مجدداً؟ لكن يجب القول في الوقت ذاته إن من شأن الزخم السياسي الذي تحدثه الحركة أن يطغى على الحكم على النتائج النهائية التي قد تسفر عنها الانتخابات الفاصلة في نوفمبر المقبل. يصدق هذا بصفة خاصة على الولايات التي توجد بها قواعد انتخابية جمهورية صغيرة، مثل ولاية ديلوير التي لا يزيد عدد الناخبين الجمهوريين فيها عن 60 ألف ناخب، وكذلك ولاية أوتاه التي أرغم فيها ناخبو الحزب السيناتور "بوب بنيه" على التقاعد السياسي. فالقاعدة العامة هي أنه كلما صغرت القاعدة الانتخابية للحزب الجمهوري، كلما ازداد نفوذ حركة حفلات الشاي، وكلما كبرت قاعدة الحزب في ولاية ما، كلما تضاءل نفوذ الحركة... وهكذا. ولعل الاحتمالات الانتخابية للحزب الجمهوري تعكس هذه التحديات بشكل واضح. فبدون ردة الفعل القوية من حفلات الشاي على أجندة أوباما، لم يكن يتصور أحد إمكانية استعادة الحزب الجمهوري لهيمنته على مجلس الشيوخ. وبدون الانتصارات التي حققها مرشحو الحركة في كل من ولايتي نيفادا ودلوير، لكانت استعادة الحزب لهيمنته على المجلس أكثر ترجيحاً. ويبدي بعض ناشطي الحركة سعادة بهذه المعادلة السياسية بين الحزب الجمهوري وحفلات الشاي. وعلى حد قول السيناتور "جم ديمنت" -الذي أيد ترشيح كريستين أودونيل- "فإننا نأمل من القيادة السياسية الحكومية في واشنطن أن تدرك أن علينا العودة مرة أخرى إلى الدور الحكومي الصغير المحدود. وفي الوقت نفسه على الجمهوريين أن يدركوا أنه لم يعد بوسعنا انتخاب مزيد من مرشحيهم الذين لا يستوعبون هذه الرسالة". غير أن هذه ليست الطريقة التي يحقق بها الحزب السياسي -أي حزب- نفوذه الشعبي الجماهيري. فمن شأن فرض معايير أيديولوجية موحدة على جميع مرشحي الحزب الجمهوري -مثلما حدث في ولايتي دلوير وكارولينا الجنوبية- أن يسفر عن خسائر مؤكدة في مناطق ودوائر انتخابية بكاملها على امتداد الولايات. كما أنه لا يتوقع أن يسر زملاء السيناتور "ديمنت" من الجمهوريين في مجلس الشيوخ بفرط إعجابه بالنقاء والتطهر من العيوب السياسية من رئاسة مختلف اللجان التابعة للمجلس، لا سيما وأن لهذه اللجان المقدرة على التأثير في السياسات العامة بمختلف الوسائل. كما أصبح واضحاً بالنسبة للجمهوريين أن الأماكن الأكثر ملاءمة للزخم السياسي الذي تحدثه حركة حفلات الشاي، هي الدوائر التي توجد بها قواعد انتخابية صغيرة لحزبهم. وعليه، فإن كانت تنوي سارة بالين خوض السباق الرئاسي الانتخابي المقبل، فمن المرجح لها أن تفوز في ولايات مثل أيوا وكارولينا الجنوبية. ورغم استمرار الجمهوريين في إنكار هذه الحقيقة تحديداً، فإنها تجعل من بالين المتسابق الأول في صفوف متسابقي الحزب الرئاسيين. ومهما يكن الخلاف الفكري الذي تثيره الحركة في أوساط مثقفي الحزب الجمهوري، فربما تتمكن حفلات الشاي من إعادة تحديد هوية المؤسسة الجمهورية البغيضة، فتجعل منها مؤسسة أكثر شعبية مما كانت عليه خلال العقد الماضي. والسبب، ليس في وجود الكثير من الشخصيات الجمهورية المعتدلة في صفوف الحركة فحسب، بل لكونها تضم عدداً كبيراً من المحافظين بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم السياسية. مايكل جيرسون كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"