في تصفح متعمق لصفحات المنتديات على الشبكة العنكبوتية، ستفاجئك كمية الاتهامات لكثيرين سواء أكانوا شخصيات معروفة أو غير معروفة. اتهامات لها أكثر من تصنيف، فهناك اتهام فكري يصف هذا بأنه متشدد ديني، وذاك بأنه علماني متحرر من القيم، وتهم أخرى تصف البعض بأنه "بعثي"، "كافر"، "متحزب"... وهكذا دواليك، حتى ليصل الأمر إلى تعليق الاتهام كأنه صورة شخصية ملازمة للمتهم. هذه الاتهامات سواء كانت تتعلق بالمنصب أو بالكتابة الصحفية أو بتجربة شخصية، تقدم إدعاءات رخيصة، وهو ما يمكن اعتباره ديدن الحرب غير الأخلاقية، التي تتعارض مع مصالح بعض الأشخاص. ففي بداية الثمانينيات كان الكفر بعينه من يقول لا للحرب الأفغانية- السوفييتية، وكان إشعال النار بهذه الحرب وزيادة أوارها، هو الفرصة، بالنسبة للبعض، لجني مزيد من الاحترام الغربي. وبعدها بسنوات بعد تكشفت المواقف الغربية.. انقلبت الاتهامات وصار من قال لا للحرب هو المفكر صاحب الرأي السديد.. ومن تعاطف مع الأفغان وقتها من الأخسرين أعمالاً. وتتوالى الحكايات والقصص ولعبة المصالح والحسابات، وانقلبت هذه اللعبة للشعوب وصار إلصاق الاتهامات أسهل ما يمكن.. فالمنتديات زاخرة بالاتهامات، وكأن الناس بلا قيمة، وكأن الاتهام الذي ينسف الالتزام الأخلاقي والديني أسهل من رشف الماء الزلال. والأمر في حقيقته بعيد كل البعد عن الموضوعية وحتى تصنيف البشر يأتي على أسس وهمية يبتكرها من يوجه الاتهامات للآخرين، ويكرره غيره ليكون الدوران في حلقة مفرغة. مؤسف ما يحدث، ولعل أزمتنا الأخلاقية إنما تأتي من هذا الاستخفاف بسمعة الآخرين ومن تدني احترام الفكر المغاير أياً كان. فأولى أبواب التحضر التي تفوق فيها الغرب علينا، كان احترامه للرأى الآخر، حتى وإن كان حجم الاختلاف كالذي بين الشرق والغرب. العناصر التي تكيل الاتهامات بلا وعي تعكس بالضرورة شخصيات لا ترى إلا عيوبها ونواقصها فتسقطها على الآخرين. بين الاتهام والاتهام هناك مسافة تفرض مراجعة النفس والتأكد من صحة الادعاء، ومقاومة الالتباس أو حتى الشك الذي يقود إلى الحقيقة دوماً. ولعل كثرة هذه الأقاويل عززت من تدني لغة الحوار بين الناس... ولعبت دوراً سلبياً ينال من احترام الشعوب لذاتها ولغيرها وصار الجميع مثلهم حتى إشعار آخر. مقاومة مثل هذه الاتهامات ضرورة اجتماعية، ذلك لأن الحرص على احترام الرأي الآخر يعني الحرص على نسيج اجتماعي يتعامل بثقة عالية بالذات. وما أفسد من آخر لا يرى غير ذاته وتصبح له فرصة تفصيل الاتهامات وإلباسها للشرفاء متاحة ما دام الآخر مناقضاً له وبإمكانه تعويض ما يرمي إليه البشر. من المهم التخلص من هذه الاتهامات كونها رذيلة، و لنبدأ بما يمليه علينا الضمير اليقظ المهموم بهمّ المجتمع وأمره.