حتى الآن، وبعد انتهاء قمة شرم الشيخ دون نتائج تذكر، لم ينجح الفريق المفاوض الفلسطيني المتعلق بالقشة من أجل النجاة والخروج من النفق المظلم للمرحلة الصعبة والمعقدة التي تعيشها القضية، مع إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي على "الاستيطان" (الاستعمار) والكشف قبل يوم واحد فقط من القمة عن إمكانية بناء حوالى 13 ألف وحدة "استيطانية" على الفور في الضفة الغربية المحتلة لدى انتهاء مهلة التجميد المؤقت (المزيف حقيقة) لـ"الاستيطان" في 26 سبتمبر الجاري. وحتى لا نتحدث عن "فشل القمة"، تكفي الإشارة إلى الخلافات على جدول الأعمال التي سبقت عقد القمة وأدت إلى تأخرها ساعة كاملة؛ إذ طالب الفلسطينيون بمناقشة مسألة حدود الدولة الفلسطينية المقترحة وتحديدها بالعودة إلى تاريخ 4 حزيران 1967. كذلك مثّل رفض إسرائيل "تجميد الاستيطان" نقطة خلاف جوهرية، إضافة إلى اشتراط الإسرائيليين على الفلسطينيين الاعتراف بـ"يهودية إسرائيل"، الأمر الذي أدى إلى إلغاء مؤتمر صحفي مشترك بين عباس ونتنياهو، فيما أكد المبعوث الأميركي الخاص (ميتشل) موقف واشنطن المؤيد لتمديد تجميد "الاستيطان". والحال كذلك، لم يكن مستغرباً أن يقول كثيرون (فصائل وغيرها) أن ما يجري إنما هو شعارات إسرائيلية فارغة عن السلام، ومس خطير بثوابت وحقوق الشعب الفلسطيني في العودة والاستقلال وتقرير المصير، وتنازل عن قرارات المنظمة الدولية، بل وأيضاً تراجع عن بنود المبادرة العربية، مع ضغوط لفرض حل الأمر الواقع الإسرائيلي: أوقفوا التحريض، أجهضوا حالة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، اقضوا على المقاومة المسلحة وأضعفوا الشعبية منها، تجاهلوا "الاستيطان"! وبالمقابل، تقول منظمة التحرير الفلسطينية إن لجنتها التنفيذية وافقت على المفاوضات المباشرة على قاعدة تأكيد اللجنة الرباعية التزامها الكامل ببياناتها السابقة، بما يشمل التأكيد على عدم اعتراف المجتمع الدولي بضم إسرائيل للقدس الشرقية. هذا في الوقت الذي لاحظ فيه مراقبون مدققون بأن صيغة البيان الأخير للجنة الرباعية تنطوي على قبول ضمني وتشريع لـ"الاستيطان" والحصار ومشروع الدولة المؤقتة، وهو ما يمثل تنازلا عن بيانها في مارس الماضي الذي أكد على أن "الاستيطان" غير شرعي، وطالب بوقفه بما في ذلك "النمو الطبيعي" في مدينة القدس والأراضي المحتلة. من هنا، يرى الفريق الرافض للتفاوض الجاري أن الاتكاء على بيان الرباعية مجرد خداع وتضليل للرأي العام الفلسطيني، فهي مفاوضات معزولة عبثية لا تمثل إلا من يشارك فيها، باعتبارها، كما ترى فصائل فلسطينية عديدة، خارجة عن الإجماع الوطني ورضوخاً من جانب السلطة الفلسطينية للإرادة الإسرائيلية. فالرباعية ما زالت عاجزة عن صياغة موقف سياسي واضح وملزم. وما كان بيانها إلا للتغطية والضغط على الطرف الفلسطيني للذهاب للمفاوضات دون تحقيق أي من الشروط التي سبق أن وضعتها: وقف "الاستيطان" وتحديد "مرجعية المفاوضات". كما أن "اللجنة"، في بيانها الأخير، تخاطب نفسها ولا ترى هي ذاتها في ذلك البيان صيغة دعوة إلى المفاوضات، ولم تطالب أيا من الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، بالموافقة عليه باعتباره الإطار الذي على أساسه تنطلق هذه المفاوضات، وهو ما أكدته وزيرة الخارجية الأميركية حين دعت إلى البدء بالمفاوضات المباشرة من دون شروط مسبقة، وما أكده أيضاً ديوان نتنياهو الذي أعرب عن سعادته لأن خطاب الدعوة إلى المفاوضات المباشرة أسقط أساساً مرجعيتها مثلما أسقط مطالبة إسرائيل بوقف نشاطاتها "الاستيطانية". وفي تقرير رئيسي وكاشف، أوضحت صحيفة "نيويورك تايمز" أن هناك "افتقارا إلى الثقة من كلا الطرفين في أن تنجح واشنطن في تحقيق هدف التوصل إلى اتفاق سلام شامل في غضون عام حسبما يرجوه أوباما. فالمحادثات تجمع بين عدم الرغبة وعدم الاستطاعة، بين طرف قوي، هو الائتلاف اليميني الإسرائيلي بزعامة نتنياهو الذي ليست لديه الرغبة في التوصل إلى اتفاق، وبين طرف غير قادر ممثلا في قيادة فلسطينية معتدلة نسبياً لكنها أضعف من أن تضطلع بهذا الأمر". وأضافت الصحيفة قائلة: "النغمة الرافضة لا يعبر عنها فقط الرافضون، سواء قادة حماس التي تتولى الحكم في غزة أو قادة المجتمع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية فقط، بل يتبناها اتجاه سائد من المفكرين". ومن جهته، يؤكد "يوسى بيلين"، الوزير الإسرائيلي السابق ورئيس حركة "ميريتس"، أن تحديد زمن المفاوضات بعام واحد هو "خطأ فادح... فليست هناك أدنى فرصة للتوصل إلى السلام في غضون عام واحد أو عامين أو ثلاثة أعوام، فالفجوة بين الجانبين هائلة، ونتنياهو لم يأت إلى منصبه كي يقسم القدس أو ليوفر حلا للاجئين الفلسطينيين". وعلى صعيد متمم، تساءلت صحيفة "واشنطن بوست" في إحدى افتتاحياتها مؤخراً حول "ما إذا كان نتنياهو ملتزماً بحل الدولتين حقاً، وما إذا كان عباس مستعداً بشكل نهائي لقبول حق إسرائيل في العيش كدولة يهودية"؟ والاستنتاج الأميل إلى الحقيقة يتجلى فيما أشارت إليه صحيفة "وول ستريت جورنال" من أن "نهاية لعبة المفاوضات" التي ينبغي أن تتم بحلول نهاية عام 2011 تتزامن مع اقتراب حملة الانتخابات الرئاسية في أميركا في عام 2012. كما أن الإعلان عن بدء المفاوضات المباشرة قد يساهم في تعزيز فرص الديمقراطيين في انتخابات الكونغرس المقررة في نوفمبر المقبل، خاصة وأن أوباما واجه حملة انتقادات من مجموعات يهودية أميركية ومن أنصار إسرائيل من المسيحيين الإنجيليين البروتستانت بدعوى أنه كان شديداً جداً تجاه إسرائيل". وتنقل الصحيفة عن مدير "التحالف اليهودي الجمهوري" (ماثيو بروكس) قوله إن المضي قدماً في محادثات مباشرة الآن هو "لعبة خطرة جداً... إنها مقامرة قوية من قبل حكومة أوباما". وختاماً، لا يصح إلا الصحيح، فالوحدة الوطنية الفلسطينية على قاعدة المقاومة والصمود والتمسك بالبرنامج الوطني الفلسطيني (برنامج الحد الأدنى على الأقل) هي الطريق لانتزاع الحقوق وحماية القدس والأقصى والمقدسات، وتحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية. كما أن بديل المفاوضات، وبالذات إذا ما استمر نتنياهو في اشتراطاته، هو السعي من أجل حشد التأييد الدولي لإعلان حدود الدولة الفلسطينية، وبناء جبهة موحدة للمقاومة الشعبية، وتعزيز التواصل مع حركة التضامن الدولي.