البرامج الإعلامية التي تبث على الهواء مباشرة، بحاجة إلى أكثر من وقفة، لأنها أحياناً تعطي انطباعاً بسبب عدم حسن إدارة بعض المقدمين للمواضيع التي تطرح سواء من قبل الجمهور أو الضيوف الذين هم في تماسٍّ مع الرأي العام. تتناول هذه البرامج ما تتناوله الصحافة اليومية السيَّارة من قضايا مجتمعية، ويغفل بعض القائمين على مثل هذه البرامج أن تناول الصحافة المقروءة لأي موضوع يختلف عن تناول أية وسيلة إعلامية أخرى، وعندما يتم تجاهل هذا الخيط الرفيع يقع المذيع أو مقدم البرنامج الجماهيري في الفخ، حين يجد نفسه طرفاً في القضية التي تتم مناقشتها مع أكثر من طرف وخاصة الجمهور. وهذا الخيط المفقود لدى بعض الإعلاميين هو خيط الحياد، فنجد الإعلامي يقف مع قرار اتخذه مسؤول بشدة أكبر من تحمس المسؤول ذاته أو يعارض رأياً مخالفاً لأحد المشاركين في البرنامج إلى درجة إصدار أحكام مسبقة عليه، أو إذا قرأ حكماً قضائيّاً مطالباً بتشديد الأحكام، وهذا ليس من وظيفة الإعلامي الذي من مهامه الرئيسية العرض وليس الوقوف في صف هذا أو ذاك. إن رجل الإعلام هنا يجب أن يحتفظ برأيه ولا يقوم بعملية الترجيح والتسديد والمقارنة وكأنه هو المعني بالأمر مباشرة فيحرج الضيف مع الجمهور العريض. فالحياد هو العامل الحاسم في نجاح الإعلامي واستمراره في أداء مهامه على أفضل وجه حتى لا يصبح المذيع أو مقدم البرنامج متحدثاً رسميّاً باسم الجهات الحكومية أو المؤسسات الرسمية، التي تخلو أروقتها من هذا العنصر، ويظهر الإعلامي وكأنه موظف أو مدافع أو محامٍ عن الجهة التي يرفع حولها الملاحظات التي تلحق بالاقتراحات وإن لم تعجب مقدم البرنامج في شيء فهذا ليس دوره ولا مهمته. والأكثر غرابة في هذه النقطة التي نطالب فيها بالتزام الحياد التام أمام الرأي العام المتمثل في الجمهور الذي يشارك بإيجابية لإثراء هذه البرامج من باب النفع العام، إن بعض القضايا التي تطرح في أكثر من برنامج مباشر يتم علاجها بطريقة تشي بأننا نعيش في مجتمعين مختلفين في السياسة والنهج، وخاصة عندما تزداد جرعة النقد لبعض القرارات من قبل المشاركين الذين يركزون على آثارها السلبية على سير الأمور في المجتمع، فهنا قد يشطح الإعلامي بلا وعي منه وإدراك بأنه على الهواء وليس في غرفة التسجيل المسبق للبرامج. إن هذه الإشكالية تجعلنا نعيد النظر في ما يقدم على الهواء للجمهور الذي يطالب بعدم الشكوى ولا النقد، وإنما فقط ذكر الملاحظات والاقتراحات، لأن النقد ممنوع وفق هذا النهج غير السليم والزعل مرفوع باسم الصالح العام وهو ما لم يقل به مسؤول ولا صدر بذلك قرار أو تعميم. فالمذيع اللبق هو الذي يحافظ على حياده طوال فترة البث ويمتص الصدمات التي يتلقاها حتى لو كان على الجانب الآخر المسؤول المعني بالرد على أسئلة المشاركين، فلا يحق له الدفاع عن المسؤول وإلا لم يعد لوجوده لازمة في البرنامج من الأصل. فالإعلامي في هذا المجال عليه أن يقدر المتصل ولو كان مخالفاً لأي قرار أخذ حيزاً من التطبيق في المجتمع مع وجود صاحبه بنفس القدر الذي يعامل به المسؤول في الاستديو أو عبر الهاتف، فالمجاملة هنا ليست لصالح العمل الإعلامي الشعبي، فالمسؤول هو الذي يملك القدرة على إقناع الجمهور بقراراته، فلا يكون المذيع له بديلاً أو وسيلة إضافية لإحقاق الحق في قرار لا علاقة له به.