في منتصف شهر أغسطس الماضي، وفي مقاطعة "قندوز" الأفغانية الشمالية، نفذت حركة "طالبان" حكماً قاسيّاً بحق شخصين زعم أنهما محبان، فرا وتزوجا سرّاً، على رغم رغبة أسرتيهما. وكان هذا الحكم هو الرجم حتى الموت، ومعناه دفن المحكوم عليه جزئيّاً ثم رميه بالحجارة حتى الموت من قبل أفراد الجمهور. وإلى جانب ذلك فقد صعق كثير من المراقبين في مختلف أنحاء العالم بحدث شنيع آخر تمثل في قطع أنف وأذن امرأة أفغانية بناء على أوامر من "طالبان"، بسبب فرارها من منزل الزوجية هرباً من الضرب وسوء المعاملة التي تلقاها على أيدي أهل زوجها. وهو حدث أثار ردود فعل كثيفة بعد أن لفتت مجلة "التايم" أنظار القراء إلى محنة تلك المرأة بنشر صورتها بعد التشويه الذي لحق بها على غلافها. وطبعاً ليس هناك ما يدعو للدهشة عندما نعرف أن النساء الأفغانيات بتن يخشين من أن تكون هذه بداية لعودة حكم "طالبان"، وهو ما يعني ضمناً عودة المعاملة القاسية، والامتهان، وفقدان ذلك القدر من الحرية الذي أصبحن يتمتعن به، منذ أن طردت القوات الأميركية حركة "طالبان" عام 2001. والحال أن "طالبان" تبدو في هذه الآونة وكأنها تعيد استرداد قوتها في بعض مناطق أفغانستان التي تمتعت فيها بنفوذ قوي في عقد التسعينيات من القرن الماضي، ولذا تعمل على إعادة فرض قوانينها الصارمة وعقوباتها التي كانت تفرضها على سكان تلك المناطق. وفي الوقت الراهن يحتدم في الولايات المتحدة سجال حول قرار أوباما بالبدء في سحب القوات الأميركية من أفغانستان في يوليو المقبل، فبعض المعارضين يقولون إن هذا القرار قد أعطى "طالبان" ضوءاً أخضر لإعادة تعزيز قوتها مجدداً، وهو ما ترد عليه مصادر في المؤسسة العسكرية الأميركية من خلال التأكيد أن هذا الانسحاب ليس سوى بداية لخروج مرحلي من أفغانستان، وأن وتيرة الانسحابات التالية ستمتد على فترة زمنية طويلة، ولن تكون فجائية. وعلى أي حال، فإن الشيء الذي لا خلاف عليه هو أن القوات الأميركية لو انسحبت من أفغانستان قبل أن تتمكن من هزيمة "طالبان"، أو قبل أن تلقي الحركة سلاحها، فإن مستقبل المرأة الأفغانية سيكون قاتماً بشكل كبير. وللتذكير فقط، عندما كانت "طالبان" في حالة تقهقر عام 2002 بدأت النساء الأفغانيات حينها في تجربة جرعات لم تكن معتادة من الحريات كمغادرة المنزل دون موافقة من أزواجهن، والالتحاق بالمدارس، بل لقد وصل الحد أن بعضهن خضن السباق الانتخابي سعياً للحصول على وظائف عامة وحققن في ذلك نجاحات متفاوتة. وعقب اندحار "طالبان"، بدأت حملة ضخمة عسكرية- مدنية بقيادة الولايات المتحدة لإرساء الأمن في أنحاء أفغانستان أولا، ثم للانخراط في بناء المدارس والعيادات الطبية وغيرها من مشروعات البنية الأساسية المطلوبة لتحديث الدولة وإعادة الإعمار. وبفضل جهود تلك الحملة تحسنت أحوال النساء الأفغانيات، اللائي أظهرن شوقاً للتعليم والانعتاق من أسر التقاليد الصارمة التي كن يعانين منها. وكثير من تفاصيل تلك الحملة موثق في كتاب حقق شهرة كبيرة في ذلك الوقت وهو الكتاب المعنون "ثلاثة أكواب من الشاي". وهو من تأليف أحد هواة تسلق الجبال الوعرة من ولاية مونتانا، يدعى "جريج مورتينسون" كان قد شارك بنفسه في بناء عشرات من المدارس خصوصاً للبنات في المنطقة التي تتركز فيها قبائل البشتون التي تحسب عليها أيضاً "طالبان" في باكستان المجاورة. وعلى رغم أن أفغانستان دولة ليست عربية -وإن كانت إسلامية- فإن الظروف التي تعاني منها النساء في العالم العربي تحت وطأة بعض التقاليد، تعتبر في نظري -مع بعض الاستثناءات طبعاً- صورة طبق الأصل لمعاناة النساء الأفغانيات. فنصف النساء العربيات أميات لا يقرأن ولا يكتبن، ويعانين من التهميش في العديد من المجالات. وما تعاني منه النساء العربيات كان موضوعاً لتقرير للأمم المتحدة أعدته مجموعة من العلماء العرب عام 2004 جاء فيه "إن المجتمعات العربية تعاني لأن هناك جزءاً ضخماً من قدرتها الإنتاجية مخنوق". ولم يتغير شيء ذو بال، منذ كتابة ذلك التقرير وحتى الآن، وهو ما يمكن تبين بعض ملامحه مما يحدث في دولة مثل الصومال تبعد كثيرا عن أفغانستان. فتلك الدولة توجد فيها في الوقت الراهن ميليشيا إسلاموية متشددة، تحاول استنساخ أسلوب "طالبان" في الحكم، من خلال القيام في الوقت الراهن بتنفيذ موجة من العقوبات الشنيعة، بمقتضى تأويلها الضيق والقاصر لبعض أحكام الشريعة. والراهن أن كثيراً من الأميركيين يتساءلون عن الفائدة التي تعود عليهم من التضحيات التي تقدمها بلادهم في أفغانستان، طالما أن الحكومة الأفغانية ذاتها متهمة على نطاق واسع بالفساد، وغير قادرة حتى الآن على الاضطلاع بمسؤولية توفير الأمن لشعبها. وهناك سببان يدعوان الولايات المتحدة للثبات على موقفها في أفغانستان. الأول هو تعزيز فرص التحديث والمساعدة على تحقيق نسخة أفغانية من الديمقراطية يحتل فيها موضوع تحرير المرأة مكانة مركزية، وهو ما يمثل في حد ذاته مساهمة مهمة في الأمن القومي الأميركي باعتبار أن الأمم الحرة والمزدهرة تكون عادة أقل ميلاً -مقارنة بالأمم غير الحرة والفقيرة- لتشكيل تهديد أو مشكلات لأمن الولايات المتحدة القومي. والسبب الثاني هو أن مغادرة أفغانستان، وترك نسائها كي يعُدن تحت حكم "طالبان" للعصور الوسطى مرة أخرى، يتناقض تماماً مع الاعتقاد والمبدأ الأميركي التاريخي بأن جميع الرجال والنساء يستحقون أن يكونوا أحراراً. جون هيوز كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"