حدثني أحدُ الثقاة أن قريباً له شهدَ حادثة في أحد مساجد الدوحة بدَت غريبة. وتتخلص الحادثة في طلب أحد الأئمة "الدعاة" المعروفين من المصلين أن يتبرعوا لبناء مسجد في إحدى العواصم الأوروبية؛ وأن تُقدم المبالغُ له نقداً ومباشرة في المسجد! وهذا الأمر يختلف عن داعية قطري -حضرت له حديثاً عن إنشاء مسجد ضخم في بلد أوروبي- حيث سلك الأسلوب المعروف في حالات التبرع وإيداع المبالغ في حساب بأحد البنوك باسم المشروع، وجزاه الله خيراً. ومن المعلوم أن قضايا التبرع لها آليات محددة معروفة، ولا يجوز أن تُعطى مبالغ التبرعات مباشرة لمن يدعو إليها! ولذا نعتقد أن هذا الأمر مُخالف لما أجمعت عليه آلياتُ جمع التبرعات من حيث قيام جهة مُصرّح لها بذلك، وإيداع مبالغ التبرعات في حساب خاص لتحقيق الهدف المنشود. ورأينا أن هذه العملية تحتاج إلى نقاش هادئ حتى لا تتحول المساجد إلى مراكز لجمع التبرعات بصورة تخالف ما أجمعت عليه الآليات الموضوعة لذلك. وعلى صلة بـ"الدعاة"، فلقد درجَ بعضُهم -حسبما نشاهد في الفضائيات- على ترويج المفاهيم الأيديولوجية التي تشق وحدة الأمة، وتنبش في التاريخ، وتنشر العصبية التي حاربها الإسلام منذ بداية الدعوة. ومن هؤلاء مَن طالته يدُ العدالة في أكثر من بلد! واستقر في أكثر من بلد أوروبي؛ ثم رمته الأقدار في إحدى دول الخليج. وبدأ يمارس "استعداء" الناس ضد دولة خليجية أخرى؛ مما حدا بالإسلاميين في تلك الدولة إلى رفع الأمر لحاكم تلك الدولة وبرلمانها، حيث أصدر الحاكم قراراً بإنهاء إقامة ذلك "الداعية" وتم تسفيره من البلاد. وكان "الداعية" هذا قد تغلغل إلى وسائل الإعلام بأساليب شتى، حيث وصل أولاً إلى الصحافة ثم الإذاعة والتلفزيون، مستغلاً فصاحته للتأثير على من يسمعه. وبعد أن وثق به الناس، بدأ ينشر أفكاراً تدعو إلى الطائفية وتحقير المرأة. حيث حدث هذا في ندوة فكرية حضرها مفكرون انتقدوا تصرفات ذاك "الداعية"؛ وكتبوا عنها كثيراً في صحفهم. وبعد أن خرج المذكور من ذلك البلد الخليجي، ظل يبحث عن بلد غيره واستقر أخيراً في بلد خليجي آخر. أنا لا أعلم لماذا لا يستقر الدعاةُ -المُحبون للخير ونشر الدين- في باكستان أوبنغلادش أوالصومال أو السودان؟! لماذا دول الخليج بالذات؟! كما أن شهر رمضان الكريم يفتح الشهية للإلهام اللفظي وتفتحُ الفضائيات أبوابها للدعاة "النجوم" الذين هلوا على المنطقة الخليجية بصورة لم يسبق لها مثيل. وقد أجرى "الداعية " المذكور اتصالات مع مريديه، حتى استقبلته دولة خليجية، وأيضاً بدأ يتغلغل إلى الصحافة، وبعد أقل من شهر وصل إلى التلفزيون، ليهلّ على الناس ناصحاً وداعيّاً إلى المحبة والخير والصلاح. ولأن كثيرين منا لا يقرؤون، ويتأثرون بالكلام المُنمق، فلم يسأله أحد: لماذا أساءَ لدولة خليجية شقيقة؟! ولماذا تقوّلَ على حكام تلك الدولة؟! ولماذا مارس الطائفية في البلد الآخر؟! والله يعلم ماذا سيحدث في الدولة الثالثة؛ التي "يتوسل" الآن صاحبنا للإقامة الدائمة فيها! لم يسأله أحد لماذا طاردته وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية ومُنع من دخول أراضيها؟! ولماذا تم ترحيله من الدولة الخليجية؟! بل ولماذا لا يعود إلى بلاده ويمارس الدعوة من هناك فأهله (من الملايين) أولى بدعوته! ولم يسأل أحد عن دوره في اليمن؟! والغريب أنه يُجاهر بأنه يريد الاستشهاد في سبيل نشر كلمة الله! والذي يؤمن بذلك ويريد "الشهادة" فعلاً، يعرف الطريق لـ"الاستشهاد"، ولا يلبس الكرافاته الفرنسية، ويتلذذ بالسكنى في فنادق الخمس نجوم! ونحن هنا نتحدث عن شخص واحد وليس عن كل الدعاة، هذا للاحتراز والتوثيق حتى لا تختلط الأمور. وللأسف فإن كثيرين لا يقرؤون الماضي ولا يستشرفون المستقبل! وتنطلي عليهم كلمات التبجيل، خصوصاً إن أُلبستْ لباسَ الدين؛ والدينُ منها براء. ونحن نعلم -كما هي قوانين مجلس التعاون- أن أية إساءة لأي من دول مجلس التعاون تكون إساءة لكل الدول! وهذه أعرافٌ درجَ مجلس التعاون عليها منذ فترة، وتجسّدت في آثار ما بعد غزو العراق للكويت. وأصبح الذين يُعادون أهل الخليج ويكيلون الإساءات لبعض حكام المنطقة وشعوبها يمرحون هنا وهناك دون أن تقرأ الجهاتُ المختصة خلفياتهم وتصريحاتهم السابقة، وما قاموا به من تصرفات تخرج عن دائرة الدعوة للإسلام أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بل وتخرج عن الدائرة الإنسانية التي يُبجلها ويُجلها الإسلام. ولذا فإننا من واقع المسؤولية العلمية نحذّر من تكدس "الدعاة" الهاربين من يد العدالة أو الذين لهم سجلات سلبية في الدول الأخرى. ونُدرك أساليبَ بعض "الدعاة" الأدعياء في فن الاتصال بالنافذين، والتغلغل لوسائل الإعلام للتأثير على العقول قبل التأثير على الخزائن! ذلك أن دول الخليج دول صغيرة، ولا تحتمل تبعات هذا التكدس الواضح لشخصيات تتخفى تحت ستار الدين، ولديها أجندات خاصة بها سوف "تُثورها" في الموعد المحدد. ولذا فمن حقنا أن نطالب بألا تكون دولنا مستَهدفة مثل أفغانستان أو باكستان أو الصومال أو اليمن، وأن نعيش بهدوء وسلام مع أهلنا وذوينا دون منغصات. كما أن الحلال بيّن والحرام بيّن، والحق والباطل واضح. وأن هذه الأعداد المليونية التي تسكن منطقة الخليج تتأثر بالكلمات؛ خصوصاً إن كان جلُّها من الأميين والعمال الذين تغلب عليهم العاطفة والتأثر بالكلمات والدموع ولغة الجسد المؤثرة التي يظهر بها أمثالُ ذلك "الداعية". وبالتالي يتحولون إلى مشاريع تنغيص للأمن والأمان في منطقتنا؛ التي كانت ولا تزال ترفض أي شكل من أشكال العنف أو الاعتداء أو المساس بالأمن مهما كانت الدوافع. ومن حقنا -إن عَلمنا بوجود بوادر مُنغصات أن نعلنها للرأي العام. إذ تحت ستار الدين تمرر ممارسات ليست في صالح أهل المنطقة. كما أنه يوجد لدينا من الدعاة الأفاضل المستنيرين الذين يقودون أمرَ الصلاح في المجتمع وجزاهم الله خيراً عما يقومون به؛ وهم كثرة ولله الحمد ولا يحتاجون إلى زيادة في العدد. ولذلك فإن علينا أن نعي حساسية المرحلة، ونترك المجاملات، ولا ننتبه للإشادات اللفظية والإعلانات الإعلامية التي لن تفيدنا في يوم من الأيام.