في ذكريات الحادي عشر من سبتمبر عام 2010، أعلن قس أميركي عزمه على حرق بعض المصاحف، بنفس اليوم الذي هنأت فيه المستشارة الألمانية فناناً سخر من الأنبياء، ولم تقل لنا ماذا سيكون مصير من يضحك من اليهود وبني صهيون، هل يكون عمله حرية تعبير، أم يكون معادياً للسامية! المجانين أكثر من رمل عالج. وقبل ألفي سنة قام الملك الصيني "كين شي هوا نجدي" بحرق كتب التراث، ما دفع فرقة من البوذيين (تانج) إلى نقش تراثهم بالصخر الجلمود. وفي الثورة الثقافية التي قادها ماو في الصين، أثنى خيراً على ما فعله ذلك الملك الموتور ودعا إلى حرق التراث، فانتهت الصين بكارثة نالت البشر والشجر والمدر. ثم لم تتقدم الصين إلا بالانفتاح على التراث الإنساني. وفي القرن الثالث قبل الميلاد ولدت مكتبة الإسكندرية واحتوت يومها على نصف مليون وثيقة، فانتهت على يد المتعصبين المسيحيين إلى الحرق، ومعها قتلت أيضاً العالمة المشهورة "باتيا" بعد تكسير أسنانها وحرقها بالنار حتى أعادت الكنيسة لها الاعتبار وأصبح المتدينون ينذرون لها مع وجع الأسنان. وكانت بغداد في فبراير 1258 في محنة هائلة مع اجتياح ذئاب آسيا الوسطى، حيث ضاعت ملايين النسخ من كتب التراث التي نسخها الكتاب عبر قرون كثيرة. ويقال إن الفارس المغولي الأمي كان يعبر نهر دجلة على أكوام الكتب والجثث، فقد هلك يومها نحو ألف ألف إنسان. وفي ليلة الكريستال 1938 قام النازيون بحرق كل ما يمت بصلة للفكر اليهودي، فأكلت النيران جبالا من الكتب، وهو تقليد مشت عليه إسبانيا سابقا، بزيادة حرق البشر والقطط والساحرات مع الكتب في الساحات العامة بحضور الملك فيليب شخصيا. وروى لي أحدهم أن شاحنة ضربت خطأ جدارا قديما في "بالنسية" فخرت مئات الكتب المختبئة طوال القرون. وذات يوم قام أيضاً مجانين "طالبان" بتدمير تمثال فريد لبوذا كان مختبئاً في جبالهم حتى عاقبهم الله بطائرات ب 52 تحمل القنابل الحارقة في أحشائها. ليس هذا ما نريده من البحث ولكن عن التراث الإنساني حالياً، لاسيما بعد أن تضخم إلى القدر الذي أصبح فيه يتدفق مثل تسونامي. إنه يضيع على شكلين؛ تلف الورق، وسيطرة من المتمكنين كما هو الحال بالنسبة لجوجول وإمبراطور الأمازون الذي اشترى مخطوطاً نادراً لأرخميدس طفا على السطح بعد ألفي سنة فاشتراه في المزاد العلني بـ 2.1 مليون دولار. السؤال كما طرحته مؤسسة أميركية عام 2002: كم حجم المعرفة الإنسانية؟ والجواب أكسابايت، أي رقم أمامه 18 صفراً، أي ما يساوي رفاً بطول عشرة أمتار من الكتب لكل فرد على ظهر الكوكب. إن قسماً من مخزون التراث الإنساني الحالي يتمثل في أرقام: 85 مليار موقع إلكتروني، و120 ألف فيلم، و250 ألف صوت مسجل، وأكثر من 400 ألف وثيقة تاريخية. وهذا التراث قد خزن رقمياً في مشروع طموح يقوده بروستر كالي، ويهدف إلى وضعه تحت تصرف أي شخص في أي وقت. وسيصل عدد الكتب المنسوخة رقمياً حتى عام 2015 إلى 15 مليون كتاب ومخطوطة. وهؤلاء هم الحفظة للتراث من الكتاب البررة، أما نحن فمن النائمين الشخرة!