لقد اقتربت الخطوات الآن من حل الغز المحير، الذي تسبب بفشل مانعة الانفجار العملاقة التي دفعت بها شركة "بي. بي" إلى عمق بئر "ديب ووتر هورايزون" وما نتج عنه من حادث انفجار في هذا البئر تسبب بأسوأ كارثة بقعة نفطية تشهدها أميركا في تاريخها القريب والبعيد. فقد تمكنت شركة "بي. بي" والمحركات التي يتم التحكم بتحريكها من على البعد في أعماق مياه البحر، من فصل الجزئية المعطوبة من مانعة الانفجار في ساعة مبكرة من صباح الجمعة الماضي، بهدف رفعها إلى سطح مياه خليج المكسيك فيما بعد. وتجيء هذه الخطوة استكمالاً للجهود التي تبذلها شركة "بي. بي" في إغلاق بئر "ماكوندو" نهائياً. وكان ذلك الهيكل الحديدي المؤلف من أربعة طوابق -وهو جزء مكمل لمانعة الانفجار- ويصل ما بين منصة الحفر وفتحة البئر قد فشل في أداء وظيفته لحظة انفجار بئر "ديب ووتر". ونتيجة لعجزه عن منع الانفجار، فقد تسبب هذا الجزء الميكانيكي من عملية الحفر في إحداث بقعة نفطية هي الأسوأ من نوعها في تاريخ التلوث الصناعي العالمي وليس الأميركي فحسب. كما فشل هذا الجزء لاحقاً مرة أخرى في الاستجابة للمحاولات التي قامت بها شركة "بي بي" لتنشيط وظيفته يدوياً بواسطة الجهد الذي بذلته الغواصات المائية لرفع الأذرع الهيدروليكية التي يعمل بها. ويتوقع لمانعة الانفجارات هذه أن تكون مفتاحاً رئيسياً للأدلة التي تسعى للحصول عليها تحقيقات فيدرالية عديدة تجرى الآن مع مسؤولي شركة "بي. بي"، بما فيها التحقيقات المتعلقة بالجرائم الجنائية التي تتهم بها الشركة، وهي جميعها تحقيقات تهدف إلى الكشف عن السبب الحقيقي لانفجار البئر النفطية. ومن المرجح أن يعثر المحققون على بقايا أطنان من الركام الذي خلفه الانفجار، بما فيه كرات الجولف وبقايا إطارات السيارات التي دفعت بها شركة "بي. بي" في محاولة منها لوقف تدفق النفط منها. وقد توقفت تلك المحاولات في نهاية الأمر في الخامس عشر من يوليو المنصرم، بعد أن تمكنت الشركة من وضع غطاء احتوائي ضخم على الماكينة الرافعة بهدف تأمين استقرار البئر. وفيما بعد سدت الشركة الجزء العلوي من البئر بالإسمنت. وفي يوم الخميس قبل الماضي نجحت الشركة في إزالة ذلك الغطاء الاحتوائي. هذا ومن رأي الأدميرال البحري المتقاعد "تاد ألين" -قائد قسم الحوادث البحرية الفيدرالي- أن مانعة الانفجار عادة ما تستغرق رحلتها من أعماق مياه خليج المكسيك إلى السطح ما بين 24-36 ساعة. وقال إن فريقه سوف يواصل مراقبة عملية رفع المانعة المعطوبة إلى سطح المياه خلال المدة المذكورة، مع العلم أن المانعة والرافعات المستخدمة في دفعها إلى سطح مياه خليج المكسيك تزن حوالي مليون رطل من الحديد. في غضون ذلك ارتفعت أسهم شركة "بي. بي"، وكذلك أسهم شركة "كاميرون إنترناشيونال" -التي صنعت مانعة الانفجار- بشكل ملحوظ في صناعة الأخبار والعناوين الرئيسية للصحف ونشرات الأخبار الإذاعية والتلفزيونية خلال الأسبوع الحالي. ووفقاً لتقرير إخباري، فسوف يتم نقل مانعة الانفجار العملاقة إلى أحد المرافق التابعة لوكالة "ناسا" الفضائية بولاية لويزيانا، وأن فريقاً متخصصاً من خفر السواحل والمكتب الأميركي لإدارة طاقة البحار والمحيطات سيقوم بفحصها مع ربط النتائج التي يتوصل إليها الفريق من عملية الفحص بالتحقيقات الجارية في البقعة النفطية التي تسببت بها البئر. وذكر فريق التحقيقات عبر موقعه الإلكتروني أن مانعة الانفجار هذه يتوقع لها أن تقدم بعضاً من الإجابات على أهم الأسئلة المحيطة بلغز انفجار البئر. وكما هو معلوم، فقد تحولت البقعة النفطية إلى كابوس مرعب في سواحل خليج المكسيك، لكونها دمرت حياة المجتمعات الساحلية هناك، بما فيها تدمير موسم سياحة الصيف الحالي. ولذلك فقد أثارت حواراً قومياً محتدماً بشأن مستقبل الطاقة الأميركية. وبينما أصدر البيت الأبيض قراراً بوقف الحفريات النفطية في أعماق مياه خليج المكسيك في الوقت الحالي، طاف المسؤولون الفيدراليون عن إجراءات السلامة في حملة شملت فحص منصات الحفريات المنصوبة في مياه الخليج -العميقة منها والسطحية على حد سواء- بهدف إعادة اختبار سلامة مانعات الانفجار المتصلة بتلك المنصات. هذا ومن المتوقع أن يفتح وضع مانعة انفجار تؤدي وظيفتها بكفاءة عالية -كما هو مفترض- الطريق أمام شركة "بي بي" كي تغلق نهائياً البئر التي حدث فيها الانفجار. فبحلول منتصف الشهر الجاري، سوف تتمكن الجهود الجارية في هذا الاتجاه من حقن الإسمنت في أنبوب البئر والغلاف المحيط بها في عمق البئر الذي يقدر بنحو 18 ألف قدم في قاع البحر، على حد قول المسؤولين. وتجدر الإشارة إلى أن انفجار منصة "ديب ووتر هورايزون" النفطية في العشرين من شهر أبريل المنصرم- قد نتج عنه تدفق ما يزيد على 200 مليون جالون من النفط الخام في مياه الخليج. أما إحصاءات الدمار الناتج عن التسرب فتشمل مقتل 11 من العاملين في المنصة النفطية، وإصابة 17 آخرين. هذا على صعيد الخسائر البشرية، أما الخسائر الاقتصادية والبيئية، فليس أقلها إلحاق ضرر بالغ بالحياة البحرية في منطقة خليج المكسيك لعدد من السنين القادمة، وتدمير الموارد الاقتصادية والسمكية التي تعتمد عليها حياة السكان المحليين. ------- باتريك جونسون كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"