منذ الإعلان عن هدفه الرامي إلى مضاعفة الصادرات الأميركية خلال خمس سنوات، في يناير الماضي، ظل الرئيس أوباما يحاجج بأن زيادة الصادرات القومية تمثل مفتاحاً رئيسياً لإخراج الاقتصاد من دوامة ركوده الحالي. وقال في هذا الصدد إن 95 في المئة من المستهلكين، وأسرع الأسواق العالمية نمواً، تقع خارج حدود الولايات المتحدة الأميركية. غير أن ما أكدته التقارير عن تراجع الصادرات الأميركية، في يونيو الماضي، مقابل تقارير أخرى أكدت تنامي الصادرات الألمانية وغيرها خلال الفترة نفسها، أثار تساؤلات جدية حول ما إذا كانت ماركة "صنع في أميركا" قادرة على تسويق نفسها عالمياً إلى اليوم. فهل أصبح قدرنا أن نشتري أكثر بكثير مما نبيع من سلع وخدمات لبقية دول العالم؟ في الإجابة عن ذينك السؤالين راجت أساطير عديدة، نلخص أهم خمس منها كما يلي. أولاً: يتراجع دور الصادرات ومساهمتها في الاقتصاد القومي. فبالنظر إلى تضخم عجز موازنتنا العامة، ساد الافتراض بين الكثيرين بأننا نبيع لبقية مستهلكي العالم أقل مما نشتري من دولهم واقتصاداتهم. لكنه اعتقاد خاطئ تماماً. فرغم تراجع صادراتنا في يونيو المنصرم، فإنها نمت بنسبة 14.1 في المئة في الربع الثاني من 2009 وحتى الربع الثاني من 2010، وهو ما يعني تفوق قطاع الصادرات على إجمالي نمو اقتصادنا القومي بنسبة 3 في المئة. والحقيقة أيضاً أن قطاع الصادرات ظل على نموه منذ أعلى انحسار شهده في الكساد العظيم خلال ثلاثينيات القرن الماضي. وحالياً تسهم الصادرات بنسبة 12 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. لكن هذا لا ينفي أنه من واجبنا تنمية صادراتنا والعمل على مضاعفتها كما وعد أوباما. ثانياً: الصناديق والحاويات هي المظهر الوحيد لصادراتنا. لا جدال أن كلمة "صادرات" عادة ما تستدعي صور السلع المعبأة في الحاويات والصناديق والرافعات التي تستخدم في السفن والموانئ البحرية أو القاطرات. لكن في تلك الصور اختزال لمعنى الصادرات القومية التي تشمل جميع السلع والمنتجات الأميركية التي يشتريها المستهلكون الأجانب. وهذا يعني أن صادراتنا لا تقتصر على المنتجات المادية فحسب، بل هي كذلك الخدمات وحقوق الملكية الفكرية التي تشمل السفر والسياحة والخدمات المالية والمصرفية وأفلام هوليوود. ثالثاً: لم تعد الصادرات الأميركية قادرة على المنافسة عالمياً. فنتيجة لتزايد الاهتمام بالتراجع في صادراتنا، وهو اهتمام عادة ما يقوم على المقارنات، فاتت على الكثيرين حقيقة أن الولايات المتحدة لا تزال تحتل المركز الثالث عالمياً بين كبرى الدول المصدرة، رغم التراجع الذي عرفته صادراتها في يونيو الماضي. فهي تلي الصين وألمانيا مباشرة، حسب ترتيب منظمة التجارة العالمية للدول المصدرة. وإذا ما نظرنا إلى الصادرات في مجال معدات النقل مثلا فسنجد أنها نمت بنسبة 10.6 في المئة بين عامي 2003 و2008، وهي تتجاوز كثيراً حجم وارداتنا من معدلات النقل نفسها. وفيما لو أضفنا الخدمات إلى قائمة صادراتنا، فسنلاحظ أن أميركا تصدر المنتجات الأعلى قيمة عالمياً، بما قيمته 1.5 تريليون دولار في عام 2009. رابعاً: التبادل التجاري مع الدول النامية يؤدي إلى خفض القوة الأميركية العاملة. والحقيقة عكس هذا الاعتقاد تماماً. فقد ساعد النمو الذي تحقق في الاقتصادات النامية على خلق عدد هائل من الوظائف داخل أميركا. فقد توصلنا خلال دراسة مشتركة أجريناها مع "إميليا استريت" في مؤسسة بروكنجز إلى أن صادراتنا لكل من البرازيل والهند والصين، تضاعفت خلال الفترة 2003-2008 وأنها تمثل 8.8 في المئة من إجمالي الصادرات الأميركية خلال الفترة نفسها. والملاحظ استمرار تزايد شراء المستهلكين البرازيليين والصينيين والهنود للسلع والمنتجات الأميركية. ورغم أن التبادل التجاري بين الدول الغنية والفقيرة، غالباً ما يؤدي إلى رفع أجور العاملين في الدول الفقيرة، مقابل خفض أجورهم في الدول الغنية، فإن تزايد الطلب العالمي على الصادرات الأميركية -خاصة في الدول النامية- يساعد على فتح أسواق وفرص أوسع للعمالة الأميركية. خامساً: لن تنمو الصادرات الأميركية إلى أن تكف الدول الأخرى عن التلاعب بقوانينها المنظمة للتبادل التجاري. فقد تزايدت في الفترة الأخيرة شكاوى الساسة الأميركيين من أن الدول الأجنبية "تتلاعب" بقوانينها حين يتعلق الأمر بالتبادل التجاري مع الولايات المتحدة. والمقصود بهذا التلاعب تحايل دول محددة على أسعار عملتها الوطنية وفرض تعرفة جمركية أعلى على الصادرات الأميركية، إضافة إلى الدعم الحكومي للشركات المنافسة لنظيراتها الأميركيات في تلك الدول. وفي هذه الشكاوى بعض الصحة بالطبع. غير أنه ليس بوسعنا لوم أحد في نهاية الأمر على تصدير بلادنا لتلك الدول أقل مما يجب. كما أن الحجج المثارة ضد الدول الأخرى لا تتسق وكون الولايات المتحدة تحمي منتجاتها الزراعية وصناعاتها في مجال الحديد الصلب وغيرها. بروس كاتز نائب رئيس مؤسسة بروكنجز جوناثان روثويل باحث ومحلل رئيسي بالمؤسسة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"